مسلسل الإمام بين الواقع والدراما
المسلسلات التاريخية عمومًا هي نقل الوقائع التاريخية إلى الحاضر بقصد تسجيلها أو حفظها. وهي تخضع لأهداف أيديولوجية أو سياسية. تتنوع هذه المسلسلات التاريخية ما بين مسلسلات تاريخية دينية مثل مسلسل "عمر بن عبدالعزيز" أو تاريخية اجتماعية مثل "ألف ليلة وليلة"، أو مسلسلات تاريخية سياسية مثل "رأفت الهجان" و"جمهورية زفتى" و"الملك فاروق" و"الطارق"، أو مسلسلات تاريخية تتناول السيرة الذاتية للمشاهير مثل "أسمهان" أو "السندريللا" و"أم كلثوم" و"قاسم أمين" و"مشرفة.. رجل لهذا الزمان".
أما المسلسلات الدينية باعتبارها أيضًا مسلسلات تاريخية خصوصًا عندما تتعرض لحياة بعض الشخصيات الدينية التي لها تأثيرها وثقلها في الواقع، ومثال لذلك المسلسل المصري الإمام الشعراوي، والمسلسل القطري أحمد بن خليل من إنتاج مؤسسة قطر للإعلام والذي تم عرضه في رمضان 2017.
وقد برعت شركات الإنتاج الإيرانية في إنتاج وتوزيع الكثير من المسلسلات الدينية لتصديرها مدبلجة بالعربية إلى العالم العربي والإسلامي عبر القنوات الفضائية العربية، أمثال مريم المقدسة ومسلسل يوسف الصديق أو يوزرسيف التى احتلت شاشات الفضائيات المصرية والعربية، وحققت أعلى نسب في المشاهدة. وقت عرضها. رغم المحاذير التي فرضها الأزهر على التأكيد على عدم عرض صور الأنبياء والصحابة والتابعين أو تمثيلهم في كل وسائل الدراما. مع أن ما هو مكتوب ومدون لم يمنعه أحد. وهو الأمر الذي ساعد على ابتعاد شركات الإنتاج طواعية عن الخوض في هذا النوع من الإنتاج لصالح الشركات الإيرانية والتركية التي غزت الأسواق بمسلسلاتها بدون محاذير رقابية.
والمعروف أن هناك تعاونًا إيرانيًا سوريًا في مشاريع إنتاج مقبلة لتحقيق النجاح الجماهيري المطلوب عربيًا من خلال اللهجة الشامية التي نشرتها المسلسلات التركية المدبلجة باللهجة الشامية.
الجمهور المصري يهتم دائمًا بالمسلسلات التاريخية، ولذات السبب تحصل تلك المسلسلات على نسب مشاهدة عالية بسبب طبيعة إنتاجها الضخم وموضوعاتها الجاذبة للجماهير، وبسبب طبيعة الشعب المصري المُحِب والمعتز بتاريخه وحضارته وتراثه. لأجل هذا يتم حشد كل الإمكانيات التي تضمن نقل الواقع التاريخي بوقائعه وعاداته وتقاليده في الحياة مثل الأكل والشرب والملبس. وأي إخلال بتلك الأمور يعرض المسلسل للسقوط، وخسارة أموال طائلة. مثل ما حدث مع مسلسل الملك والذي كان من المزمع أن تعرضه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في مصر في شهر رمضان الحالي، مقتبسًا عن رواية كفاح طيبة للأديب المصري نجيب محفوظ. وقد تعرض المسلسل وصناعه لموجة من الانتقادات والسخرية منذ الإعلان عن اختيار الممثل عمرو يوسف لدور الملك الفرعوني أحمس. وزادت الانتقادات حدة مع عرض الفيديو الترويجي للمسلسل، لما رصد فيه من المغالطات التاريخية.
أما عن مسلسل الإمام، فهو يتحدث عن حياة مؤسس المذهب في فترة معينة من 198 إلى 204 هجرية في القاهرة لمدة ست سنوات حتى مات.
مؤسس المذهب الشافعي هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع الشافعي، وينتهي نسبه إلى عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم وشافع بن السائب هو الذي ينسب إليه الشافعي.
وقد تميز المذهب الشافعي بأن مؤسسه قد وضع أساسياته الأولى في كتبه التي تنوعت على هذه المجالات، فنجد في الأصول كتاب الرسالة، وإبطال الاستحسان وغيرهما، وفي الفروع كتاب الأم، كما وضع كتبًا في الخلاف مثل كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى وغيرهما.
كما أن الإمام الشافعي هو الإمام الوحيد الذي أسس لمدرسة فقهية، ففي حين كان غيره من الأئمة منهم من يكتفي بأن يفتي الناس في المسائل الحادثة أو يفترض المسائل ثم يناقشها مع تلاميذه، ومنهم من اكتفى بالتصنيف في السنة، بل كان بعضهم ينهى أصحابه عن تدوين أقواله وآرائه، أما الإمام الشافعي فلم يكن كذلك بل كتب في الأصول والتي تمثل المنهج العلمي الذي يحدد مسار وكيفية التعامل مع منابع الفقه من القرآن والسنة وغيرهما وكيفية تنزيل الآيات والاستدلال بها، ثم كتب في الفروع ليطبق نظرياته ومنهجه الأصولي، فكانت مصنفاته غاية في الإبداع شهد بها الجميع.
الحديث عن المسلسل قبل أن يكتمل يعتبر ضربًا من الإجحاف، ولكن حتى الآن تبين من الحلقات التي أذيعت أن تقوى الرجل وصلاحه ودعواته وأقواله كلها تدعم فضائل الإسلام السمح.
شخصيته تجمع صفات المرح والفكاهة والسماحة واللطف في شخصه وسرعة بديهته وحسه الفكاهي. كما كان رضي الله عنه- كغيره من الأئمة- شديد التحذير من البدع والأهواء.
وقد نجح المسلسل من خلال الحلقات العشر التي تم عرضها في إظهار الرسالة الإعلامية التي يريدها صناع المسلسل، وهي رسالة تتركز على سماحة الدين الإسلامى، وإظهار الشخصيات الدينية المرجعية بالسماحة والسلام والرقي والدعوة للأمن والأمان، بما يليق بهم كمؤسسين في أمور الفقه والشريعة، ومجتهدين في سبيل إظهار الدين الحقيقي.
ولكن ما جدوى الزج بمواقف قتالية وحربية، وإظهار براعة الإمام في المهمات القتالية والفروسية والضرب بالسيف والرمح.
وما جدوى الحض على تقطيع أوصال الخارجين على الخلافة وتقطيع أيديهم وأرجلهم من خلاف بما يمثل وحشية لا مجرد لها لمجرد الخلاف في الرأي والاختلاف حول الحاكم؟
نريد أن ننسى الوجه الآخر للدين وما حدث في العصور الأولى.
في الوقت الذي يريد فيه المصريون وخلفهم العالم أجمع، والذي نريد فيه التركيز على جانب السماحة والرقة واللين والدعوات للأمن والأمان، أن ينسوا ما فعلته "داعش" والجماعات الإسلامية والإخوان في بلاد المسلمين، من تخريب ودمار ومشاهد القتل والذبح والحرق التي نقلتها وسائل الإعلام العربية والأجنبية لكل العالم، مما خلق نوعًا جديدًا من الفوبيا أو الخوف من الدين الإسلامي.
ألا ينبغي أن نقدم فقهاء ديننا بالسماحة ولين الجانب وعدم الحض على العنف والقتل؟