العاشر من رمضان.. من العبور القديم للعبور الجديد
كل عام ونحن بخير بمناسبة مرور نصف قرن على ذكرى العاشر من رمضان المجيدة.. فى هذه الذكرى هناك معنيان هما الأبرز.. أولهما أن معركة مصر من أجل إثبات ذاتها ونيل مكانتها ما زالت مستمرة.. وثانيهما أننا ما زلنا فى حاجة لإحياء روح العبور القديمة كى ننتصر فى معركة العبور الجديدة.. فالأمر ببساطة أننا منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ نخوض معركة جديدة.
وهى أيضًا معركة عبور.. نريد أن نعبر فيها من الضعف إلى القوة.. ومن الاحتياج إلى الاكتفاء الذاتى، ومن ضياع الإحساس بالذات القومية إلى الاعتزاز بالذات القومية.. ومن الاستهلاك إلى الإنتاج.. ومن خفوت ملامح الدور الإقليمى إلى توهج الدور الإقليمى.. ومن التبعية لهذا الطرف أو ذاك إلى مد الأيدى القوية لجميع الأقطاب والتعامل معهم بما تمليه المصلحة الوطنية.. ومن العشوائية والفوضى وضعف الدولة.. إلى التنظيم والتخطيط وحضور الدولة فى حياة مواطنيها.. ومن غياب دور الدولة فى الرعاية إلى حضور دور الدولة وانهماكها فى توفير حياة كريمة لمواطنيها، ومن بلد بلا موانئ مجهزة إلى بلد يملك عشرات الموانئ المجهزة.. ومن بلد يهمل عبقرية المكان الذى منحه له الله إلى بلد يستغل عبقرية مكانه، فيشق الطرق ويسير القطارات وكل أنواع المواصلات ليربط شرقه بغربه وشرق العالم أيضًا بغربه، مستغلًا عبقرية مكانه كما أوصى جمال حمدان ولم ينفذ أحد إلا بعد ٣٠ يونيو لا قبلها.. فى هذا العبور الجديد نحن نسعى لنضاعف مساحة المعمور المصرى من سبعة فى المئة سكنها المصريون على مدى قرون إلى أربعة عشر فى المئة نسعى للانتهاء منها كلها خلال سنوات قليلة أو انتهينا منها بالفعل.. فى هذا العبور الجديد بنينا أربعين مدينة جديدة فى سبع سنوات كحقيقة واقعية على الأرض لا كمخطط نضع له حجر الأساس ونتركه سنوات طويلة دون تنفيذ.. كل هذه التفاصيل.. وغيرها آلاف أخرى ترسم ملامح العبور الجديد الذى نسعى لتحقيقه وحققنا منه الكثير بالفعل ولم يبق إلا أن نصل لشاطئ الانتصار ونرفع رايتنا مع انتهاء الأزمة وتشكل النظام العالمى الجديد الذى نعيش الآن آلام مخاضه الصعب.. ما الذى نحتاجه إذن؟ ببساطة نحن نحتاج روح العبور القديم.. نحتاج لإحيائها.. هل لروح العبور هذه ملامح؟ نعم كانت لها وستظل لها ملامح.. أولها أننا كنا يدًا واحدة.. لنا هدف واحد.. لا تمنعنا اختلافاتنا أن نتوحد على الهدف.. وقد كان هذا الهدف هو آخر هدف توحد عليه المصريون للأسف الشديد.. والآن أمامنا فرصة أن نتوحد خلف هدف «العبور الجديد» وكل من يشغلنا عن هذا الهدف كاره لهذا البلد أو صاحب غرض أو مصلحة.. من معالم روح العبور أيضًا أننا أعلينا من شأن العمل الجاد والمتواصل وأعلينا من شأن التخطيط والعلم.. استعنا بالجنود المتعلمين كى يستوعبوا خطط القتال.. من معالم روح العبور أيضًا أننا مارسنا وحدتنا فى إطار تنوعنا ورفعنا راية الوطن، فكان من الطبيعى أن يكون صاحب فكرة إزالة الساتر بالماء مصريًا مسيحيًا، وأن يكون صاحب فكرة استخدام الشفرة النوبية مصريًا نوبيًا.. وهكذا.
قد يسألنى سائل.. لماذا تقول إننا نحتاج لعبور جديد بعد خمسين عامًا من العبور القديم؟.. ألا يعنى هذا أننا فشلنا فى العبور القديم؟ وأجتهد فأقول.. لقد نجحنا أعظم نجاح فى العبور العظيم ولقنا عدوًا درسًا لم ولن ينساه وأثبتنا أننا لقمة كبيرة جدًا لا يمكن ابتلاعها وأن غضبنا قاس ولحمنا مر.. ولكنى أظن- على مسئوليتى الشخصية- أن هناك من سعى لسرقة نتائج هذا النصر العظيم ومحو ملامحه والعمل على تغيير جينات العملاق المصرى الذى انتفض فأحرز النصر.. لقد خرج الإرهابيون من السجون بعد النصر مباشرة ليسرقوا ثماره.. وادعى بعض مَن ينتمى لهم فكريًا أن النصر تم لأسباب غيبية لا دخل لشجاعة الرجال بها.. وكانت هذه كذبة كبيرة.. فإيمان الرجال شحذ عزائمهم وأطلق قواهم.. فتحقق النصر بأيديهم وسلاحهم وليس بأى شىء آخر.. والمعنى الذى أؤمن به أن تحالف الإرهاب والفساد استطاع سرقة روح العبور العظيم.. حتى عادت مرة أخرى فى الثلاثين من يونيو.. وبدأنا نجهز للعبور الجديد.. وسنعبر معًا بإذن الله.