هاريس فى القارة السمراء
فى مثل هذا الشهر، منذ ١٣ سنة، قدم المخرج الأمريكى تيم بيرتون معالجة جديدة ومختلفة لقصة «أليس فى بلاد العجائب»، تبدأ فيها الأحداث بعد سنوات من انتهاء القصة الشهيرة، إذ تعود «أليس» إلى ذلك العالم الخيالى، وهى فى التاسعة عشرة، لتواجه عالمًا غريبًا، باتت معظم مخلوقاته منحازة إلى جانب الشر، وتجد نفسها وسط صراع بين «الملكة البيضاء» و«الملكة الحمراء»، بينما تساعدها بعض المخلوقات الطيبة والصديقة فى البحث عن طريق العودة.
غالبًا، شاهدت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الأمريكى، هذا الفيلم، وتأثرت به، وهى تحكى عن قيامها بزيارة زامبيا، للمرة الأولى، حين كانت طفلة، برفقة جدتها لأمها، ذات الأصول الهندية، والتى كانت تعمل هناك. وربما تستكمل حكايتها، أو معالجتها الجديدة للقصة أو الفيلم، خلال زيارتها الثانية، وهى فى التاسعة والخمسين، يوم الجمعة المقبل، والتى ستنهى بها جولتها الإفريقية، التى بدأتها، الأحد الماضى، بزيارة غانا.
يرافقها زوجها، الأستاذ دوجلاس إيمهوف، تقوم «هاريس»، بخامس جولة لمسئول أمريكى، فى القارة السمراء، منذ «القمة الإفريقية الأمريكية»، التى استضافتها واشنطن فى ديسمبر الماضى. وكان طريفًا أن يتزامن بدء الجولة مع عودة كين أوفورى- أتا، وزير المالية الغانى، من الصين، التى أجرى فيها «اجتماعات إيجابية ومشجعة للغاية»، بحسب تغريدة كتبها فى حسابه على «تويتر». وقد يكون طريفًا، أيضًا، إعلان مكتب هاريس، أمس الأول الإثنين، فى بيان، عن اعتزام واشنطن إرسال «مستشار مقيم متفرغ» إلى أكرا، خلال العام الجارى، لمساعدة وزارة المالية فى تطوير وتنفيذ إصلاحات على المديين المتوسط والطويل!.
منذ يناير، زارت جانيت يلين، وزيرة الخزانة، السنغال وزامبيا وجنوب إفريقيا.. وكانت غانا وموزمبيق وكينيا من نصيب ليندا توماس- جرينفيلد، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، ثم زارت السيدة الأولى، جيل بايدن، قرينة الرئيس، ناميبيا وكينيا، وكان رابعهم أنتونى بلينكن، وزير الخارجية، الذى زار إثيوبيا والنيجر. ومن المتوقع، أو المفترض، أن يقوم بالجولة السادسة الرئيس بايدن نفسه، الذى كان قد أعلن، خلال «القمة الإفريقية الأمريكية»، عن اعتزامه زيارة بعض دول القارة خلال بداية العام الجارى. والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن «بلينكن»، كان قد قام بجولة أخرى، فى الثلث الأول من أغسطس الماضى، وأعلن خلالها عن «استراتيجية جديدة» للتعاون مع القارة السمراء، ترتكز على تعزيز الانفتاح، والتحول الديمقراطى، والتعافى من آثار وباء «كورنا المستجد» الكارثية، و... و... ومواجهة التغيرات المناخية والانتقال إلى الطاقة النظيفة.
المهم، هو الجولة الأمريكية الجديدة، أو الخامسة، خلال العام الجارى، تشمل أيضًا، تنزانيا، التى تصلها «هاريس» بعد ظهر اليوم، الأربعاء، وتهدف، بحسب بيان رسمى، إلى «البناء على» ما تم التوصل إليه خلال «القمة الإفريقية الأمريكية»، فى حين رأى كريس ميجريان، مراسل وكالة «أسوشيتد برس» بالبيت الأبيض، أن «القادة الأفارقة باتوا كقطع شطرنج جيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين»، قبل أن يؤكد أن هدف زيارة «هاريس» هو خلق حالة من التوازن، فى ظل فقدان واشنطن نفوذها بالقارة لصالح موسكو وبكين. ولا نعرف لماذا تجاهل الأستاذ «ميجريان» أن بلاده تنافس أيضًا دولًا أوروبية عديدة أبرزها فرنسا من جهة، واليابان والهند من الجهة الأخرى، أو على الجبهة الثالثة؟!.
.. أخيرًا، وبعيدًا عن المعالجة الجديدة لقصة «هاريس فى بلاد العجائب» أو «أليس فى القارة السمراء»، نرى أن التحدى الأكبر أمام الإدارة الأمريكية، الحالية أو المقبلة، هو أن تثبت لشعوب وحكومات دول القارة، أن الولايات المتحدة يمكن أن تكون شريكًا موثوقًا فيه. ونعتقد أن هذا التحدى سيظل قائمًا حتى تتحول الوعود أو المبادرات أو التعهدات، التى أطلقها الرئيس جو بايدن، خلال «القمة الأمريكية الإفريقية»، والتى أطلقتها وستطلقها نائبته، خلال جولتها الحالية، إلى واقع ملموس، على أرض القارة السمراء، التى نتمنى أن يؤدى تنافس الدول الكبرى فيها، لا عليها، إلى بناء شراكات حقيقية من أجل تنمية يقودها الأفارقة الراغبون فى التعاون مع كل الشركاء، بنيات صادقة، وأسواق مفتوحة، وظروف استثمارية مهيأة.