«منهل اللطائف».. الحلوى الرمضانية في كتابات الشعراء القدامى
يرتبط شهر رمضان في أذهان الشعوب العربية عمومًا والمصريين على وجه الخصوص بالموائد العامرة والحلوى التي يأتي على رأسها الكنافة والقطائف والزلابية، وهي أصناف من الحلوى سجلت وجودًا تاريخيًا منذ عصور قديمة حيث كان الفاطميون يأكلونها في الإفطار والسحور، كما أنها استمرت حتى اليوم محتفظة بالمكانة ذاتها في مخيال المصريين وحياتهم.
وعلى الرغم من استمرار حضور الكنافة والقطائف والزلابية حتى اليوم، فإن المصادر التاريخية تشير إلى أن العرب ارتبطوا بأصناف إضافية من الحلوى لكن لم يعد لها حضورًا اليوم، ومن هذه الأصناف التي ألف العرب قديمًا أكلها في شهر رمضان "الفالوذج" وهي تصنع من الدقيق والماء والعسل، واللوزينج وكان العرب يسمونها قاضي قضاة الحلاوات.
السيوطي ومنهل اللطائف
تشير المصادر التاريخية إلى أن الكنافة والقطائف قد بلغا من الشهرة ما جعل الفقيه والمؤرخ المصري بالعصر المملوكي جلال الدين السيوطي يجمع ما قيل فيهما من شعر ونثر في كتاب أسماه السيوطي بـ"منهل اللطائف في الكنافة والقطائف".
وتختلف المصادر التاريخية في تحديد أول من أدخل الكنافة في طعامه، فيلفت البعض إلى أن معاوية بن أبي سفيان كان أول من أكلها في السحور فيما قال بعض المؤرخين أنها صنعت خصيصا لسليمان بن عبد الملك.
وقد لاقت الكنافة والقطائف والزلابية رواجًا في كل من مصر والشام ثم بقية الأقطار العربية، ما لفت انتباه الرحالة الأوروبيين الذين زاروا مصر في القرنين 18 و19 وأطلقوا عليها اسم "المكرونة المصرية".
ومما يثبت تلك الأهمية التي حظيت بها حلوى الكنافة والقطائف على وجه الخصوص لدى العرب ذلك السجل الحافل بالقصائد التي نظمها أصحابها في الكنافة والقطائف وبدرجة أقل الزلابيا.
قصائد في الكنافة والقطائف
ويورد أستاذ الآثار أحمد الصاوي في كتابه "رمضان زمان" بعض من تلك الأشعار التي كتبها العرب عن الحلوى الرمضانية، ومن ذلك ما كتبه الشاعر أبو الحسين الجزار المصري الذي عاش في عصر المماليك، وكان أكثر الشعراء وصفا للكنافة والقطائف وعنهما قال: سقى الله أكناف الكنافة بالقطر.. وجاد عليها سكر دائم الدر، وتبا لأوقات المخلل إنها.. تمر بلا نفع وتحسب من عمري.
وقال المصري أيضًا: تالله مالثم المراشف.. كلا ولا ضم المعاطف، بألذ وقعًا في حشاي.. من الكنافة والقطائف.
ومن الأشعار الأخرى التي سجل فيها العرب مكانة تلك الحلوى لديهم، ما قاله سعد الدين بن عربي:وقطايف مقرونة بكنافة.. من فوقهن السكر المذرور، هاتيك تطربني بنظم فائق.. ويروقني من هذه المنثور.
كما قال شهاب الدين الهائم في الكنافة: إليك اشتياقي يا كنافة زائد.. ومالي عناء عنك ولا صبر، فلا ولت أكل كل يوم وليلة.. وما زال منهلا بجرعائك القطر.
ومن تلك الأشعار الشهيرة عن الحلوى الرمضانية، نجد ما قاله أبو الهلال العسكري: كثيفة الحشو ولكنها.. رقيقة الجلد هوانيه، وشت بماء الورد أعطافها.. منشورة الطي ومطوية، كأنما من طيب أنفاسها.. قد سرقت من نشر مارية، جاءت من السكر فضية.. وهي من الأدهان تبرية.
ومما قيل في القطائف على لسان الشاعر المملوكي السراج الوراق: قطائفك التي رقت جسوما.. لماضغها كما كثفت قلوبًا، كغيم رق لكن فيه قطر.. غدا القفر الجديب به خصيبًا.
وأيضًا ما قاله سيف الدين بن قزل المنشد: وقطايف مثل البدور.. أتت لنا من غير وعد، قد سقيت قطر النبات وطيبت بالماء ورد.. فحسبتها لما بدت في صحتها أقراص شهد.
ابن الرومي عن الزلابية
إلى جانب الكنافة والقطائف اشتهرت الزلابية وفيها يقول ابن الرومي: ومستقر على كرسيه تعب.. روحي الفداء له من منصب تعب، رأيته سحرًا يقلي زلابية.. في رقة القشر والتجويف كالقصب، يلقي العجين لجينا من أنامله.. فيستحيل شبابيكا من الذهب.