سيدة المسرح العربى.. نبع من منابع القوة الناعمة
- التحقت بمعهد الفنون المسرحية بالصدفة وسط معارضة أسرتها
- تحداها زكى طليمات فأبهرته بأدائها فحولها لطالبة نظامية وأصبح أستاذها وأهم داعميها
سميحة أيوب أو كما تلقب بـ«سيدة المسرح العربى»، تلك المرأة الفولاذية التى لم تتزحزح إرادتها حتى صارت أيقونة على المسرح المصرى، أتمت سيدة المسرح المصرى هذا الشهر «٨ مارس» ٩١ عامًا، منها ٧٤ عامًا قضتها بين خشبات المسارح ولوكيشنات التصوير السينمائى والتليفزيونى.. ٧٤ عامًا من العطاء المشرف للفن.. حتى استحقت بجدارة أن تختارها الهيئة العالمية للمسرح هذا العام لتكتب رسالة اليوم العالمى للمسرح «٢٧ مارس» التى ستلقى اليوم فى كل مسارح العالم بمختلف اللغات.
التقيتها فى لجنة المسرح عام ٢٠٠١ ورأيت قامات مسرحية كبيرة يقفون لها إجلالًا ويقبلون يديها، وفى ٢٠١٧ حيث تم اختيارها ضمن عدد من رموز الفن والثقافة الملهمين ضمن برنامج الملهم الذى كنت مسئولة عنه بالمجلس الأعلى للثقافة اتسع الحوار بيننا حتى إننى لم أستطع إخفاء انبهارى بتلك المرأة القوية الصريحة التى صارت علامة على المسرح المصرى، فلا يمكنك أبدًا أن تفصل تاريخها عن تاريخ المسرح المصرى حيث شاركت بأدائها المسرحى فى حوالى ١٧٠ مسرحية عالمية ومحلية، منها عدد من أهم المسرحيات التى قدمت على خشبات المسرح المصرى مثل: «سكة السلامة، السبنسة، رابعة العدوية، دماء على أستار الكعبة، سقوط فرعون، الفتى مهران»، بينما فى المسرح العالمى «إلكترا، أجاممنون، فيدرا، أنتيجون، البخيل، أنطونيو وكليوباترا، الندم، المتحذلقات، دائرة الطباشير القوقازية».
كانت فرصتها الأولى فى الإذاعة فى أوبريت «عذراء الربيع» حين رشحها الأستاذ محمد الطوخى وقدمها لبابا شارو، وذهبت للاختبار وكلها رهبة حيث بث الجميع الخوف لديها من زوزو نبيل، الصوت النسائى الأوحد بالإذاعة وقتها، لكنها فوجئت بزوزو نبيل تطمئنها وتمنحها خبرتها فى الأداء الإذاعى، واجتازت سميحة الاختبار وأحدث الأوبريت ضجة وبدأ يلمع اسمها، ثم حصلت على الدور الذى كان سببًا فى أن يلمع اسمها وهو دورها فى مسلسل «سمارة» فى الإذاعة، فى البداية رأت سميحة أيوب أن شخصية سمارة غير مناسبة لها ولكن إصرارها على النجاح جعلها تقتنص الفرصة وتشتغل كممثلة على فهم الشخصية ومقاربتها، حتى قدمتها فى ألمع الصور حتى إنه فى ذلك الوقت كانت تتوقف المواصلات حين يذاع المسلسل بالراديو وأصبحت نجمة فى الإذاعة، وذاع صيت «سميحة أيوب»، لكن المفارقة أنها كانت فى ذلك الحين تطلق على نفسها اسم «سميحة سامى» نظرًا لمعارضة أسرتها استخدام اسم العائلة، إلى أن وقفت مع ذاتها وقفة أدركت فيها أنها تمتلك اسمها وتمتلك إرادتها فى العمل طالما أنها لا تفعل شيئًا مشينًا.. فإن اسمها سميحة أيوب وسيبقى سميحة أيوب.
سميحة أيوب الراسخة كشجرة كما يحلو لى وصفها كانت تؤمن أن لا شىء مستحيلًا، وترى أنها لا تفعل شيئًا تخجل منه، ولا تخجل من شىء تفعله، وهكذا كانت تواجه الجميع بثقة فى اختياراتها سواء فى حياتها الفنية أو الشخصية، ولم تقبل أن يخط لها أىً من كان طريقها.. حتى حين أحبت وتزوجت لم تخش أن تنهى زيجتيها الأولى والثانية حين رأت أن الزواج سيعرقل مسيرتها كفنانة.. ففشل زواجها بالفنان محسن سرحان الذى حاول عزلها ومنعها عن التمثيل، وكذلك زواجها بالفنان محمود مرسى بسبب خلافاتهما فى هذا الشأن، واستمرت زيجتها بالكاتب المسرحى الكبير سعد الدين وهبة حتى وفاته ١٩٩٧ لأنه كان مؤمنًا بموهبتها وداعمًا لها طوال الوقت، لكن فى ذات الوقت لم يؤثر الفن على دورها كأم لابنيها «محمود سرحان- علاء محمود مرسى»، لكنها فجعت فى أحد ابنيها الذى مات ٢٠١٠ أثناء تواجده بالولايات المتحدة الأمريكية إثر أزمة قلبية، مخلفًا وجعًا ممتدًا عاش معها حتى اليوم رغم صلابتها وقوتها فى مواجهة المحنة.
عادة ما يقارب العديد من النقاد ويقارن أداء سميحة أيوب بنظيراتها فى تلك المرحلة مثل سناء جميل التى كانت من أقرب صديقات سميحة أيوب، وقد عاشتا فترة من حياتهما سويًا فى شقة مؤجرة أثناء عملهما بالمسرح والسينما.. ولكن منهج الأداء التمثيلى الذى تؤدى منه سناء جميل كان مختلفًا تمامًا عن منهج سميحة أيوب.. فقد كانت سناء تعتمد على مشاعرها وتذهب إلى مساحات من التوحد والذوبان فى الشخصية.. بينما كانت سميحة أيوب تعتمد بالأكثر على وعيها وإدراكها بأبعاد الشخصية وبتطويع أدواتها كممثلة لتجسيد تلك الشخصية.. وربما يكون مرجع ذلك الاختيار المنهجى المدروس من سيدة المسرح العربى سميحة أيوب إلى أنها كانت عقلانية بدرجة كبيرة حتى فى حياتها بعكس سناء جميل التى طالما كانت عاطفية.
وكنت قد سألت سميحة أيوب ذات مرة سؤالًا تحفظت كثيرًا فى الإجابة عنه عن أقرب الشخصيات التى أدتها للمسرح لقلبها؟.. فأخبرتنى أنها تحب كثيرًا الشخصية التى أدتها فى «الإنسان الطيب» وهو نص لبريخت أخرجه سعد أردش بطولة سميحة أيوب فى الستينيات.
حصيلة تاريخ سميحة أيوب من المسرح والسينما والتليفزيون لم تتحصل عليها العديدات من بنات جيلها كمًا وكيفًا... فقد شاركت فى أكثر من ٢٥٠عملاً بين المسرح والسينما والدراما.
لم يكن إسهام سميحة أيوب فى التمثيل فحسب.. ففى ١٩٧٢ أخبرها وزير الثقافة يوسف السباعى بتوليها منصب مديرة المسرح القومى، لكن حين صدر القرار فوجئت بأن التكليف فى الواقع كان لإدارة المسرح الحديث، ولم تكن مقتنعة فى البداية بمدى ملاءمة المكان لها، لكنها قدمت نموذجًا فريدًا وقويًا فى الإدارة حتى إن سمير العصفورى يقول «كانت سميحة أيوب تبيت فى المسرح.. وكأن المسرح بيتها»، فاستطاعت سميحة أيوب وقتها بالمثابرة وعدم البخل بالوقت والصحة والاستقرار مع الزوج والأبناء أن تؤدى دورها فى فترة عصيبة، وحين جاء خبر العبور ١٩٧٣ غيرت سميحة أيوب خطة المسرح، حيث عقدت جمعية عمومية وأعلنت عن بدء العمل بدأب حتى تسنى لها خلال ٤٨ ساعة تقديم عرض مسرحى مبهر وهو «مدد مدد» مع محمد نوح، والذى تغنى به الجميع فى وقتها، ونجحت المسرحية نجاحًا مذهلًا. وبعد ثلاث سنوات ١٩٧٥ كلفت بالانتقال إلى المسرح القومى، وعملت فى ذلك الوقت على تفعيل ملف التبادل الثقافى بين مصر وفرنسا وقدمت «جان دارك» وتم عرضه فى باريس وكرمت من الرئيس الفرنسى.
ليس هذا فقط بل كُرمت سميحة أيوب بأرفع الأوسمة من رؤساء الدول.