«ليالي الذكر والصيام».. كيف حكى الرحالة عن رمضان في مصر؟
اهتم الكثير من الرحالة والمستشرقين بتسجيل انطباعاتهم عن البلدان التي زاروها وما تعكسه عن ثقافتها وعاداتها وتقاليدها، وكانت رحلات بعضهم إلى مصر في شهر رمضان بأوقات مختلفة من التاريخ بمثابة السجل الحافظ لأحوال المصريين في مختلف الظروف والحالات.
مشاهدات الجامع الأزهر
من هؤلاء الرحالة الذين زاروا مصر؛ عبد الله بن محمد العياشي الذي جاء إلى القاهرة في 1072، فسجل ملاحظاته اليومية في القاهرة التي زارها بسفره من مصراته إلى بر إمبابة على الضفة الغربية للنيل، لينزل في الخامس والعشرين من رمضان إلى مصر.
يروي أستاذ الآثار أحمد الصاوي، في كتابه "رمضان زمان" أن العياشي بات مع رفاقه ليلة السابع والعشرين من رمضان بالجامع الأزهر الذي قال عنه: "كل الليالي بذلك المسجد كليلة الفرد، لأنه معمور بالذكر والتلاوة والتعليم آناء الليل وأطراف النهار، ولا تنقطع عنه العبادة ليلا ولا نهارا ولا صيفا ولا شتاء".
أثناء فترة تواجده بالقاهرة في شهر رمضان، حرص العياشي على زيارة شيخ القراء بالقاهرة ورئيس أهل التجويد الشيخ سلطان، وقد سلم الشيخ عليه ودعا له وكان هذا غاية مقصده.
ويسجل العياشي في ندم أنه لم يحضر إلى الأزهر في يوم التاسع والعشرين من رمضان لبعد منزله عن المسجد، ولكسله بسبب الصوم وبسبب اللغط الذي أثير حول تعيين أول أيام العيد في تلك الليلة.
الطعام في سنوات القحط والرخاء
يروي الصاوي في كتابه، رحلة موفق الدين عبد اللطيف البغدادي التي أوردها ضمن مشاهداته في بر مصر بكتابه الشهير "الإفادة والاعتبار في الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر"، الذي انتهى من تأليفه حسبما ذكر بالقاهرة في رمضان سنة ستمائة.
أفرد البغدادي فصلا في كتابه عن المجاعة ووباء الطاعون الذي داهم مصر في فترة امتدت من شهر رمضان 589 هـ، ولم تضع أوزارها إلا في شهر رمضان من عام 600 هـ الذي انتهى فيه من تأليف كتابه.
وتحدث البغدادي عن الأطعمة التي كان المصريون يحتفون بها في المواسم مثل رمضان، والذي يعد تسجيلا لما كان عليه حال المطبخ المصري، كما تحدث عن الحلوى المتخذة من السكر وهي الشائعة في رمضان، ولم يفيض في ذكر أصنافها لكثرتها حسبما أشار.
على الجانب الآخر، رصد الرحالة سنة المجاعة التي شهد فيها تحول الناس في شهر الصيام من أكل أطعمة رمضان والحلوى إلى أكل الجيف ولحوم البشر، كما عبر عن زيادة قتامة صورة رمضان في هذه السنة بسبب انتشار الوباء الذي أهلك أهل القاهرة حتى خلا معظم بيوتها.
ازدحام الأسواق
أما الرحالة المغربي محمد بن محمد العبدري الذي ارتحل إلى ديار الشرق في أواخر النصف الثاني من القرن السابع الهجري، وانتقل إلى القاهرة في أواخر رمضان، فقد حرص على نقل نبض الشارع الذي أقام به في القاهرة.
كان العبدري قد نزل بالمدرسة الكاملية بالجمالية المطلة على شارع بين القصرين أكبر شوارع القاهرة، فحاول نقل إحساس المقيم بهذا الجزء المزدحم من الأسواق فيقول: "فكنت قلما أرقد إلا منغصًا لصياح الباعة وهم يبيعون طوال الليل، وقلما يكون طعام الشريف منهم والوضيع إلا من السوق، والطريق غاصة بالخلق حتى ترى الماشي فيها ما له هم سوى التحفظ من دوس الدواب إياه".
الاحتفاء الشعبي بقدوم رمضان
رصد الصاوي أيضًا في كتابه رحلة الرحالة والمستشرق إدوار لين الذي زار مصر في القرن التاسع عشر، فأشار إلى أن لين حرص على تسجيل الاحتفاء الشعبي بقدوم شهر رمضان بادئًا بتسجيل ما يحدث في ليلة رؤية هلال رمضان، فيذكر أن نفرا من الناس يخرج إلى الصحراء لرؤية الهلال وتكفي شهادة المسلم الواحد أنه رأى الهلال لإعلان الصيام.
وصف لين بشكل كامل الموكب الشعبي المعروف بموكب الرؤية الذي كان يبدأ من القلعة مقر الحكم إلى مجلس القاضي بالمدرسة الصالحية النجمية بحي الجمالية بالقاهرة ويشارك في الموكب المحتسب ومشايخ الحرف المتعددة والطحانين والخبازين وباعة الفاكهة ومعهم فرق من الموسيقيين وعدد من الفقراء المتصوفة وبعد أن يصل الموكب إلى مجلس القاضي يمكث الجميع في انتظار عودة أحد المرسلين لرؤية الهلال أو شهادة أي مسلم آخر على أنه رآه.