عبدالسلام النابلسى.. أول من تنبأ بالكورونا..!
فنان لبناني فلسطيني قدم إلى مصر للدراسة، متبعا وصية والده الذي سبقه ودرس بالأزهر الشريف، حفظ القرآن الكريم، أجاد الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، كانت موهبته السبب في إدخال السرور والبهجة على الجماهير العربية التي عرفته ككاتب وشاعر ومخرج قبل أن تعرفه كممثل كوميدي ومؤدٍ محبوب لأدوار البطولة الثانية، اشتهر بلقب أشهر عازب في السينما العربية، تجمعه صداقة وطيدة بالفنان فريد الأطرش، هرب إلى لبنان خوفا من السجن بعد أن تكالبت عليه الضرائب، ظل بها حتى وافته المنية إثر أزمة قلبية. أول فنان تنبأ بالكورونا في أفلامه حيث اعتمد على المطهرات ومنع التقبيل والمصافحة.. كوّن ثنائيا شهيرا مع نجوم الصف الأول.. له حضور طاغٍ بحكم ثقافته وإجادته لأكثر من لغة، أطلق عليه يوسف وهبي الكونت دي نابلسي.. إنه الفنان عبدالسلام النابلسي.
البداية:
ولد (عبدالسلام عبدالغني النابلسي)، الشهير بـ«عبدالسلام النابلسي»، في عكار شمال طرابلس اللبنانية عام 1899، تعود جذوره إلى مدينة نابلس الفلسطينية، حيث كان جده قاضي نابلس الأول ومن بعده والده، عندما بلغ العشرين من عمره أرسله والده إلى مصر أملًا في تلقي تعليمه في الأزهر الشريف، حفظ القرآن ونبغ في اللغة العربية إلى جانب اللغة الفرنسية والإنجليزية. خاض عبدالسلام النابلسي التجربة الصحفية وعمل في أكثر من مجلة منها: (مصر الجديدة والصباح)، وفي عام 1929 خاض التجربة الفنية على يد السيدة آسيا في فيلم (غادة الصحراء)، لم تكن تجربة مُرضية، حتى ابتسم له الحظ من خلال فيلم (وخز الضمير) عام 1931 ليكون بوابته للمجال الفني وأول خطوة في طريق النجومية، اتجه أيضًا إلى الإخراج، وعمل مساعد مخرج خاصة مع الفنان (يوسف وهبي)، تفرغ للتمثيل بعد زيادة مطالبته بالعديد من الأدوار في الأفلام الكوميدية التي تألق بها.
البداية كانت من هنا..!
انضم عبدالسلام النابلسي إلى فرقة يوسف بك وهبي، صادفته مشكلة كبيرة تتعلق بأنّه كلما صعد إلى المسرح تنتاب الجهمور موجة من الضحك بمجرد ظهوره، وهو ما أغضب يوسف وهبي الذي كانت فرقته تقدم أعمالا تراجيدية جادة، فقرر منعه من الظهور على المسرح، وبعد شهرين قرر البحث عن فرصة أخرى، وتحقق له ما أراد، والتحق بالعديد من الفرق المسرحية، ولم يدُم بقاؤه في أي منها أكثر من شهر.
اعتقد عبدالسلام النابلسي أنّه سيئ الحظ، وصلت أخبار محاولاته الفنية لأسرته، وقرر الأب مقاطعته ليجبره على التراجع عن العمل في الفن، فزادت التزاماته المادية، لم يعد يقوى على دفع إيجار الغرفة التي يقيم فيها، فقرر الاستعانة بصديق بحثا عن وظيفة جديدة، ووقع اختياره هذه المرة على الصحفي اللبناني «داود بركات» الذي كان رئيسا لتحرير جريدة الأهرام، فمكنه من دخول بلاط صاحبة الجلالة، وساعده إتقانه للغة الفرنسية على العمل بالترجمة، كان حريصا خلال عمله الجديد على الاقتراب من الفنانين، وتكوين العديد من الصداقات، أهمها علاقته بالمخرج أحمد جلال الذي قدمه للمنتجة آسيا، ومنحه فرصة المشاركة في فيلم «غادة الصحراء» وتوالت مشاركته في الأفلام التي أنتجتها، والتقطه بعد ذلك الأخوان اللبنانيان إبراهيم وبدر لاما، وقدماه في دور الشرير الذي يدبر المكائد.
ظهر النور في آخر النفق وفتحت السينما ذراعيها للشاب الموهوب، بعدما لفظه المسرح بسبب إصراره على تقديم الأدوار التراجيدية، رغم أنّ جورج أبيض نصحه بأن يقدم الكوميديا، لكنه لم يتمكن من تنفيذ تلك النصيحة، لأن السينما ظلت تحبسه في دور الشرير المتذاكي، إلى أن انتبه الكتاب إلى موهبته الكوميدية، وقرروا كتابة لزمات وإفيهات خاصة لتزيد من بريق نجوميته، أعانهم بمهارة جديدة يمتلكها، تتعلق بقدرته على اختيار الاكسسوارات التي تضيف لبريق إطلالته على شاشة السينما.
خطوات ثابتة:
فريد الأطرش أول من منح عبدالسلام النابلسي طوق النجاة السينمائي، وعبدالحليم حافظ منحه الجرأة للظهور على شاشة السينما بالزي الأزهري في أول تعاون فني بينهما، وفقا لرواية زوجته «جورجيت سبات» في حوار تليفزيوني.
كان عبدالسلام النابلسي يشعر دائما بأنّه مديون لصديقه فريد الأطرش، لذا تجاهل عروضا كثيرة من عبدالحليم حافظ للعمل معه، إلى أن تمكن العندليب من حسم الأمر بحيلة ذكية، حين قدّم للنابلسي «شيك على بياض» وطلب منه أن يحدد الأجر الذي يرضيه للظهور معه في فيلم «فتى أحلامي» إنتاج عام 1957.
جسّد النابلسي في هذا الفيلم دور «نوفل السرياقوسي»، الشاب الذي يعيش حياتين متناقضتين، ناظر عزبة متشدد أخلاقيا ويرتدي الزي الأزهري، وشاب معجب بوسامته ومغرم بمسارح القاهرة وراقصات شارع عماد الدين، لكن القدر لم يمنحه فرصة التصالح مع نفسه ومع المجتمع، وتمكن الكوميديان الموهوب من تقديم الدور ببراعة وكأنّه يجسد مرحلة من حياته الحقيقية..!.
محطات فنية:
كان أول ظهور له كممثل مع المنتجة الكبيرة آسيا بأول أفلامه "غادة الصحراء"، وخطف الأضواء في فيلم "وخز الضمير" عام 1931 والذي كان أولى خطواته نحو الشهرة والنجومية.
أنتج عددًا من الأفلام، وكان الجانب الأبرز في مسيرته الفنية هو تأليفه فيلمين سينمائيين بعيدًا عن نجاحه كممثل.
قام بتأليف فيلم "حبيب حياتي" عام 1958، كتب السيناريو والحوار للفيلم عبدالعزيز سلام وأخرجه نيازي مصطفى.
الفيلم بطولة "صباح، أحمد رمزي، حسن فايق وزينات صدقي" وشارك فيه "النابلسي" بالتمثيل أيضًا، ويسرد الفيلم قصة شاب يدعى "ممدوح" يرث عن والده ثروة كبيرة ويضيعها في النوادي الليلية، يوشك على الإفلاس، ويدفعه وفاؤه بسكرتيره الخاص أن يسحب له نقود زوجته التي كانت تدخرها لنفسها، فيصرفها عليه، ويحاول أن يعمل بالسينما، ويبيع خاتمه الثمين ويشتري سيارة أجرة ليعمل عليها ويبدأ حياته من جديد.
وفي عام 1960 كتب "النابلسي" الفيلم الكوميدي "حلاق السيدات" وتدور أحداث الفيلم حول ثلاثة أصدقاء، يقرر أحدهم أن يطور محل أبيه للحلاقة ويقسمه ثلاثة أقسام، واحد للرجال والثاني للسيدات والثالث للحيوانات، وتكون أول زبونة هي خادمة وحدثت سيدتها عنه، وبعد ذلك تزوج من سيدة ثرية، وذلك لكي تنتقم من زوجها السابق الذي تركها.
تعاون "النابلسي" خلال الفيلم مع الكاتب أبوالسعود الإبياري الذي كتب السيناريو والحوار للفيلم وأخرجه فطين عبدالوهاب، وشارك في بطولته "إسماعيل ياسين، زينات صدقي، إستيفان روستي وخيرية أحمد".
قدم أعمالا متعددة للفن المصري، أشهرها "البدوية الحسناء"، "حمامة السلام"، "عفريته هانم"، "المليونيرة الصغيرة"، "شارع الحب"، "ما تقولش لحد"، "عايزة أتجوز"، "رسالة غرام"، "بنت الجيران"، "المحتال"، "ليالي الحب"، "إزاي أنساك"، "إنت حبيبي"، غيرها.
أول من تنبأ بالوباء..!
في فيلم "شارع الحب" الذي عرض عام 1958، أمام العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، إخراج عزالدين ذوالفقار، وقصة يوسف السباعي، جسّد الفنان عبدالسلام النابلسي دور حسب الله السادس عشر "مزيكاتي"، الذي قرر التنازل والزواج من زينات صدقي "سنية ترتر"، وهو "مغمض الأنف والعين والحنجرة والله معي"، كما قالها في الفيلم عند إعلان الزواج منها.
وظهر النابلسي، في أحد المشاهد، بعد الزواج من "سنية ترتر"، وهو "يرش" الغرفة بالمطهرات، وعلى ملابسه، فضلًا عن منحه "قبلة" على وجه زوجته بناء على طلبها رغمًا عنه، وهو "يسد" أنفه
حبيب حياتي.. ممدوح بيه
عام 1958، كتب النابلسي قصة فيلم "حبيب حياتي"، بطولة أحمد رمزي، وصباح، وإخراج نيازي مصطفى، حيث جسّد "النابلسي" شخصية ممدوح، الرجل الثري الذي تضطره الظروف بعد إفلاسه وضياع ثروته لتشغيل "سيارته" أجرة، والعمل عليها "سائقا"، ويتعامل مع الركاب بمطهرات، ويأخذ الأجرة على "طبق" دون أن يمسكها بيديه خوفًا من الجراثيم، ويقوم برشها بالمطهرات منعًا لانتشار الأمراض.
إفيهات لا تنسى..!
تميز الفنان عبدالسلام النابلسي بعدة "إفيهات" في معظم أفلامه، التي لا ينساها الجمهور، منها: "ناس لها حظ وناس لها ترتر"، "إفرجها يا كريم، إبسطها يا باسط"، "يا أيتها السماء صُبي غضبك على الأغبياء".
حياته الشخصية:
اشتهر النابلسي بلقب أشهر عازب في الوسط الفني، حتى وصل إلى الـ60 من عمره ولم يتزوج، ثم تزوج من إحدى معجباته في بيروت، تُدعى "جورجيت سبات"، هي واحدة من معجباته، روت أنهما تقابلا فتحدثا، وبعدها حصل الانجذاب، وحينما طلب أن يتزوجها، وهي فرصة رأى أنها لا تعوض، كان هناك اعتراض من أهلها ولكنها أصرت على الذهاب معه والزواج به، وتحول من رافض للزواج إلى زوج مثالي.
لقاءات عابرة:
جاء عبدالسلام النابلسي إلى مصر وعمره 20 عاما، وعاد إلى لبنان وعمره 63 عاما، يسبقه لقب «العازب الخالد» الذي أطلقه عليها أصدقاؤه من الفنانين، لم يؤمن بالزواج، لم يصمد هذا اللقب طويلا وفقا لروايته في حوار تليفزيوني مع المذيعة ليلي رستم، فقد كان يفخر بـ3 أشياء، أولها أنّه حفظ القرآن الكريم ودرس في الأزهر، والثاني أنّه سيظل يعمل بالفن لآخر لحظة في حياته، والثالث أنّه خطف الفتاة التي أحبها.
في حوار إذاعي سأل المذيع عبدالسلام النابلسي «لماذا لم تتزوج؟»، وكان رده أنّه «لا توجد امرأة تستحقه»، وفي اليوم التالي بينما كان يجلس في شقته ببيروت، اتصلت به معجبة، لتوضح له مخاطر مثل هذه التصريحات على نجوميته، وتبلغه أنّه سيخسر كل النساء بسبب هذا التصريح، فسألها «النابلسي» عن عمرها، وأخبرته أنّها لم تتجاوز 18 سنة، فكان رده «وأنتِ يا مفعوصة هتديني نصايح؟!».
تعددت مكالمات المعجبة للكوميديان الموهوب، واستمر الأمر لـ10 أيام، بعدها انقطعت الاتصالات لمدة أسبوع، ثم عرضت دور السينما فيلم «عاشور قلب الأسد» أول بطولة مطلقة للنابلسي في فيلم لبناني من إنتاج رشدي أباظة، عاودت الاتصال به لتهنئته، فطلب مقابلتها.
كان اللقاء الأول بين العازب الخالد والمعجبة جورجيت سبات في أحد مقاهي لبنان، كان بصحبتها ابنة عمها، التي انصرفت بعد 10 دقائق من بداية المقابلة، وطالت الجلسة لأكثر من 4 ساعات، لتنتهي بالاتفاق على الزواج، وخرجا معا من المقهي إلى فيلا الموسيقي اللبناني فيلمون وهبي، وهناك عقد القران، وبعدها أجرى الصديق اتصالا هاتفيا بأهل العروس ليبلغهم أنّها لن تعود للمنزل لأنها تزوجت.
بعد 4 ساعات كان أشقاء العروس الـ6 يقفون على باب الفيلا ومعهم العشرات من جيرانهم، واستقبلهم «النابلسي» وحاول إقناعهم بالموافقة على الزواج، وأبلغهم أنّه يحبها ولن يطلب منها تغيير ديانتها، لكنهم بعد مناقشات متوترة امتدت لـ4 ساعات، اتفقوا على عودة العروس لمنزل أهلها، وأن يزورهم العريس في اليوم التالي، بعدها يمكنهما العودة لمنزلهما معا، لكن مضت الأيام ولم يتمكن الزوج من استرداد زوجته، فاستعان بصديق صاحب سلطة في بيروت، فمكنه من خطف زوجته من منزل أهلها.
أشيع عن النابلسي أنه كان يكره الأطفال، ويشفق على أصدقائه عندما ينجبون لدرجة أنه كان يعزيهم، ولكنه نفى هذه الشائعة قائلاً: "أنا صادق ومخلص، وليس عندي نقص حتى أكون معقد وأكره الأطفال، ولكنهم مسئولية وهَم كبير، والعاقل يدرك أن العالم امتلأ بالملايين من الرجال والنساء فكفى أطفالا، مؤكداً أنه لن يمنع زوجته من الإنجاب لأنها عاقلة وتعرف مصلحتها، وتقتنع أن تحديد النسل من متطلبات العصر.
صداقة نادرة:
جمعته بفريد الأطرش صداقة طويلة، قال عنه النابلسي إنه واحد من اثنين فقط يعتبرهما "نفسه"، في إشارة إلى فريد الأطرش والفنانة صباح.
وفي لقاء تليفزيوني للفنان عبدالسلام النابلسي، تحدث فيه عن صديقه فريد الأطرش، قائلًا: «أخلاق الملوك، فنان كبير جرى فنه في دمه وروحه وحياته، له في اللحن والغناء أسلوبه الذي لا يدانيه فيه أحد، فنه ينبع من شرقيته ومن وجدانٍ أصيل».
واستطرد في حديثه عن الأطرش: "أبرع من عزف على العود لا يزاحمه فيه مزاحم، تغنى بألحانه الناس وأخذ منها الغرب أغنيات رددها في مسارحه وإذاعاته وملاهيه، صعد السلم درجة درجة، وعلى كل درجة سكب دمعة ونضح عرقًا.. يعلم أن المجد وحش مفترس ولم يترك الوحش حتى روضه وامتطاه، إحساسه مرهف كالسيف ذي الحدين، كلمة منك تسعده وكلمة منك تشقيه، يجرح نفسه ولا يجرحك، له ألف أذن يسمع بها كلاما يؤذيه ولو شاء لاستمع بأذن واحدة إلى ما يطربه ويرضيه".
كتب عن فيروز: «تراتيل قديسة وأصداء كنيسة.. ابتهال ساجد في المساجد وصلاة عابد في المعابد.. صوتها نور وبخور، ونفحة من عطور هو كالصديق عند الضيق يواسيك وينسيك ويشجيك.. الحزن طابعه كأنه مولود معه ينوح مثل الحمائم أو كالدعاء في التمائم لا نظير له ولا ضريب، كأنه آتٍ من بعيد كالغريب، فيه لوعة واشتياق وجفوة وفراق ولقاء وعناق، يزيل الهم والكرب ويعلم حب الله وحب الحب، هي في جبين لبنان غرة، وعلى صدره درة».
وتابع: "وآه لو أرخت لصوتها عنانه، ودعمت بالطرب الشرقي كيانه، وآه لو لم توقفه عن مداه وأطلقته على هواه إذن لكانت ماذا أقول؟ إعجاز غير معقول.. بل أراني الآن أقول هي كما هي في جبين لبنان غرة وعلى صدره درة".
الفرار..!
حقق النابلسي نجاحات عديدة في السينما، وأصبح تميمة حظ للعديد من الأفلام، شارك فيما يقارب 7 أفلام في العام الواحد، وزادت إلى 10 في العام 1958 وهو نفس العام الذي هاجمته فيه آلام المرض، ونصحه الأطباء بتقليل نشاطه الفني، لكنه قرر إخفاء تفاصيل حالته الصحية حتى لا يهجره المنتجون، وفقا لرواية الفنانة اللبنانية زمردة في حوار لمجلة لبنانية.
كان يعيش وحيدا في شقة مستأجرة بحي الزمالك، إلى أن تجاوز عامه الستين، ولم يشغله سوى الحلم الذي تأخر تحقيقه «البطولة المطلقة»، وبدلا من الانتظار قرر حسم النتيجة، وأنتج لنفسه فيلم «حلاق السيدات»، لكن الفيلم كان تجربة قاسية كلّفته الكثير، ولم تحقق النجاح الذي تمناه، بل زادت مشكلاته الصحية وإضافة لها أزمة مادية، بعد أن طالبته مصلحة الضرائب بسداد مبلغ كبير فشل في إقناعهم بتقسيطه، فاضطر لمغادرة مصر، والعودة مرة أخرى إلى لبنان.
قصة وفاء:
قصة روتها السيدة جورجيت، أرملة الراحل في حوار تليفزيوني، قالت فيه إن زوجها عانى من أزمة مع مصلحة الضرائب المصرية في أيامه الأخيرة، ولم يكن باستطاعته العودة إلى مصر، وهي الأزمة التي أخفاها عن صديق عمره عبدالحليم حافظ ولم يخبره بها.
تسببت الأزمة في تهديده بالسجن ومقاضاته حال عودته إلى مصر، خاصة أنه كان على حافة الإفلاس، وهو ما جعله مجبراً على الإقامة في لبنان.
ولم تتوقف الأزمات عند هذا الحد، بل إن جنازة الراحل تكفل بها صديقه فريد الأطرش، وهو ما تضاربت الأقاويل بشأنه، قال البعض إن النابلسي لم يكن يمتلك أموالا من أجل الجنازة، إلا أن زوجته أكدت أنه لا صحة لذلك، مشيرة إلى أن النابلسي ترك لهم أموالا، ولكنها لم تكن تمتلك حسابا بنكيا، وبالتالي لم تكن وقتها تستطيع التصرف في الأموال، لذلك قام فريد الأطرش بتحمل تكاليف الجنازة، ورفض بعد ذلك الحصول على الأموال التي دفعها.
أما ما يخص الوفاة فأوضحت زوجته أنه كان يصور فيلما في تونس بصحبة فريد شوقي وصباح، وكان متعبا للغاية، وبعد عودته لم تمر 15 يوما وحدثت الوفاة.
في ليلة الوفاة كان الراحل متواجدا في منزله بصحبة عدد من الأصدقاء، من بينهم نيازي مصطفى وفريد شوقي وهدى سلطان فشعر بتعب شديد، وحينما حضرت سيارة الإسعاف توفي في طريقه إلى المستشفى وهو ممسك بيد زوجته.
العشاء الأخير..!
كان حزينا على غير عادته، ملامح وجهه جادة، وهو ما لفت نظر زوجته جورجيت سبات التي حاولت أن تستفسر عن السبب، لكنه تهرب من الإجابة، مدّعيا أنّه لا يزال يعاني من متاعب جراء رحلة تونس بعد تصوير المشاهد الأخيرة من فيلم «رحلة السعادة»،
تأنق «النابلسي» كعادته، وكان ودودا في الترحيب بضيوفه، فريد شوقي، وهدى سلطان، وصباح، والمخرج نيازي مصطفى، تبادل معهم الضحكات والذكريات، وبعد وصلة ضحك قصيرة شعر بألم شديد في صدره، وفي ثوانٍ معدودة تبدلت ملامح وجهه، فبادرت زوجته باستدعاء سيارة إسعاف ورافقته للمستشفى.
داخل سيارة الإسعاف تبادل النابلسي وزوجته النظرات، وحين وصلا إلى المستشفى، فتح المسعف أبواب السيارة وطلب من الزوجة إفساح المجال، لكن الزوج طلب منها أن تمسك يده، وظلت أصابعهما متشابكة للحظات.. ليرحل في يوم 5 يوليو عام 1968، إثر أزمة قلبية حادة، اكتشفت زوجته أنه كان مريضًا بالقلب، وأنه أخفى عن كل من حوله حقيقة مرضه، خوفًا من أن يمتنع المنتجون والمخرجون عن منحه أدوارا في أعمالهم.