زيارة صداقة وتعاون.. وسلام
هكذا، لكن بدون النقطتين، وصف الرئيس الصينى، شى جين بينج، زيارته لروسيا، فى مقال نشرته جريدة «روسيسكايا جازيتا» الروسية، أمس الأول الإثنين، أشاد فيه بـ«العلاقات الوثيقة» بين البلدين فى إطار «التعاون الاستراتيجى الشامل»، وأكد أن المقترح الذى طرحته بلاده الشهر الماضى، لتحقيق السلام فى أوكرانيا، «يعكس وجهات النظر العالمية»، ثم أشار إلى أن «المشكلات المعقدة ليست لها حلول بسيطة».
عن الصداقة والتعاون، أيضًا، كتب الرئيس الروسى، فلاديمير بوتين، مقالًا نشرته جريدة «الشعب» الصينية، لافتًا إلى أنه يعلق آمالًا كبيرة على زيارة «صديقه القديم العزيز»، وواصفًا العلاقات الروسية الصينية بأنها «وصلت إلى أعلى مستوى فى تاريخها»، و«تمثل نموذجًا للتعاون المتناغم والبنّاء بين الدول الكبرى». أما عن «السلام» فأثنى بوتين على «اعتزام الصين لعب دور بنّاء فى تسوية النزاع» مع أوكرانيا، وأشاد بموقف بكين المتوازن فى هذه القضية وفى غيرها من القضايا الإقليمية والدولية.
بعد انتخابه رئيسًا لجمهورية الصين الشعبية، سنة ٢٠١٣، كانت روسيا هى أول دولة يزورها «شى»، ووقتها، وصف العلاقات الصينية الروسية بأنها «أهم العلاقات الثنائية فى العالم». وخلال سنوات حكمه العشر، تطورت هذه العلاقات حتى وصلت «إلى أعلى مستوى فى تاريخها». وبالتالى، لم يكن جديدًا، غريبًا أو مفاجئًا أن تكون زيارته الحالية، التى تستمر ثلاثة أيام، هى أول زيارة خارجية له بعد إعادة انتخابه لولاية ثالثة.
بين البلدين أيضًا «اتفاقية شراكة استراتيجية واسعة النطاق»، تم توقعيها فى ٤ فبراير ٢٠٢٢، أى قبل ثلاثة أسابيع من بداية الأزمة الأوكرانية، وجرى أمس التوقيع على وثيقتين جديدتين لتعميقها. ولعلك تتذكر أن الرئيسين عقدا لقاءً، عبر الفيديو، فى ٣٠ ديسمبر الماضى، كان مسموحًا لوسائل الإعلام بمتابعة الجزء الأول منه، والذى توقّع فيه الرئيس الروسى أن «يزور الرئيس العزيز، الصديق العزيز موسكو فى الربيع المقبل»، أى الشهر الجارى أو المقبل، وأكد أن هذه الزيارة «ستظهر للعالم مدى تقارب العلاقات الروسية الصينية».
تأسيسًا على ذلك، واستباقًا لأى لغط، أو «هبد»، أوضح وانج ون بين، المتحدث باسم الخارجية الصينية، يوم الجمعة الماضى، أن «روسيا والصين منخرطتان فى تعاون مفتوح لا يقبل التدخل أو الإكراه من أطراف ثالثة»، وشدّد على أن الدولتين «ملتزمتان دائمًا بنوع جديد من العلاقات بين القوى الكبرى، يتضمن الشراكة بدلًا من الانضمام إلى التكتلات، والحوار بدلًا من المواجهة»، وأكد أن «تصريحات بعض السياسيين بأن العلاقات بين روسيا والصين هى تحدٍ للنظام العالمى ليست سوى مظهر من مظاهر عقلية الحرب الباردة».
الكلام، كما ترى، جميل ومعقول، وبالفعل، تلتزم الصين بموقف متّزن وموضوعى بشأن الأزمة الأوكرانية، وتحاول أن تلعب دورًا بناءً فى دفع محادثات السلام بين موسكو وكييف، وطالبت بوضوح، فى المقترح الذى طرحته الشهر الماضى، كل الأطراف باحترام سيادة كل الدول ووقف الأعمال العدائية واستئناف محادثات السلام.. و... و... ومع ذلك، هاجم أنتونى بلينكن، وزير الخارجية الأمريكى، هذا المقترح، وشكك فى أهدافه، ورأى أن زيارة الرئيس الصينى لموسكو «توفر غطاءً دبلوماسيًا لروسيا حتى تواصل ارتكاب جرائم كبرى»!.
بعقيلة الحرب الباردة نفسها، دخل جون كيربى، المتحدث باسم مجلس الأمن القومى الأمريكى، على الخط، وطالب الرئيس الصينى بإجراء محادثات مباشرة مع الأوكرانيين وليس فقط مع الروس. ولا نعرف لماذا لم ترد الخارجية الصينية، أو الروسية أو الكورية الشمالية، بأن الرئيس الأمريكى، جو بايدن، زار كييف، فى ٢٠ فبراير الماضى، وأجرى محادثات مع الأوكرانيين، دون أن يزور موسكو أو يجرى محادثات مع الروس!.
.. وأخيرًا، نرى أن زيارة الصداقة والتعاون والسلام، ليست أكثر من تأكيد جديد على أن العلاقات الصينية الروسية، تقوم على المصالح المتبادلة والرغبة المشتركة فى تحقيق التوازن مع الولايات المتحدة، والدول المتحالفة معها أو التابعة لها، التى تحاول تحجيم الصين اقتصاديًا وعسكريًا وتكنولوجيا، وتزايدت تدخلاتها فى شئونها الداخلية، سواء بزعم الدفاع عن حقوق الإنسان، أو دعم الديمقراطية فى تايوان، أو بمزاعم أخرى.