الأم في عيدها
الفنانة والناقدة التشكيلية إيمان خطاب: صوتك طوق النجاة
تتجلّى صورة الأم في صورنا، نحن نشبه أمهاتنا أو هكذا نوقن ونصبح مجرد صور مصغرة لكل تلك الطاقة الروحية التي غرست فينا مبكرًا، نحيا وصوتهن الدفين يضع بصمته ويلوح بالطمأنينة كلما واجهتنا المنعطفات الحرجة في طريقنا، الأم في البيت والشارع والعمل وفي سيرتنا تظل حاضرة في السطور القادمة تقدم الفنانة التشكيلية والناقدة إيمان خطاب شهادة عن الأم في عيدها بصفتها الابنة والأم.
ترى الناقدة التشكيلية إيمان خطاب «كان صوتك هو طوق النجاة وحصن الأمان والبيت الدافئ المرح المرحب دائمًا بالجيران والأقارب والأصحاب: نعم هو هذا الصوت الذى ينبع من أعماقى الآن، هو الأكثر تأثيرًا وحضورًا فى حياتى ومخيلتي».
وتابعت خطاب «على الرغم من كل ما قمتِ به لأجلى أنا وأختىّ.. بكل همة ونشاط وسرعة من المهام والواجبات المنزلية، إضافة إلى واجبات الأمومة والرعاية والتربية بل والتدريس لنا أحيانًا كثيرة».
وتابعت «أتذكر كيف كنت وأنا ما زلت طفلة فى روضة الأطفال.. أشعر بالوحدة والخوف أحيانًا كثيرة.. ويطول الانتظار فى الحجرة الفسيحة التى تضم الكثير من الأطفال.. حتى يأتى صوتك من خارج الباب تتحدثين مع الراهبات أو المدرسات... يأتى الصوت البعيد فيقترب شيئًا فشيئًا فتعود السكينة والأطمئنان إلى نفسي فى الحال.. كنت أدرك فى هذه اللحظة أننى قد عدت أميرة فى مملكتك.. وتحولت من مجرد تلميذة فى فصل أو مدرسة تضج بالعشرات من التلميذات عليهن اتباع القوانين الصارمة، إلى كائن مدلل يحظى بالرعاية من ملكة متوجة على عرش الجمال والفن».
واستطردت خطاب «مامتك أحلى منك».. كانت هذه العبارة تتردد أمامى كثيرًا، وما زالت؛ ولم أشعر يومًا بالغضب أو الحزن، بل إنى كنت أراقب أناقتك وألوانك الزاهية وشعرك القصير الذهبى فى ضوء الشمس والكحل الأسود القوى يبروز عينيك الواسعتين كما بحور العسل الصافى، لقد كنت آلهة الجمال حقًا فى عينيّ !بل إنك كنت آلهة البعث أيضًا».
بعث الجمال من العدم وبعث الحياة فى المادة الخام وإضفاء البهجة والذوق الرفيع على كل شيء تلمسينه، بداية من أدوات الطبخ واللحوم والخضروات..التى تصبح أشهى والذ الوجبات على يديك.. بنكهة البهارات والسمن البلدى المميزة... هذه الروائح التى كانت تستقبلنى بالأحضان الدافئة من أسفل سلم العمارة ..لأتقافز على درجات السلم سريعًا.. مرددة «دى ريحة أكل ماما».
وحتى تأتى ذروة المعجزات وفعل الخلق الحقيقي فى ممارسات فنية يومية على سطح اللوحة الأبيض ..الذى يتحول إلى عالم سحرى من الألوان.. فرأيت بعيني المراقبتين المندهشتين... كيف تشكلين السحب فى السماء وكيف تشيدين أشجار الغابات وتسيلين جداول المياه.. كيف تلونين الجبال وعيون الفتيات الجميلات.. كيف تبعثين الروح فى أغصان الأشجار التى كنت ألملمها وأنتقيها معك من الحدائق المجاورة للمنزل.. لتنشئى بها قرية صغيرة فيها السقى وبائعة الخضار والحيوانات.. لقد كنتِ مدرسة فنية قائمة بذاتها.. حاضرة فى كل وقت وأوان.
وما زال الصوت يدوى ويتسرب حانيًا إلى الروح، صوتك هو حصن الفن والبهجة والأمان. أبحث عنه حتى ولو فى الخيال كلما تملكتنى قشعريرة الخوف أو البرد أو المرض أو غدر البشر والزمان.