"الأزهر.. والإسلاموفوبيا"
فى أول احتفال باليوم العالمى لمكافحة الإسلاموفوبيا تحدث أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بأن تلك المناسبة تمثل دعوة صادقة؛ للقضاء على "سم" الكراهية ضد المسلمين وإنتقد محاولات التمييز الذى يقلل من الجميع، ولذلك يجب أن نقف ضده.
وفى ذات المناسبة دعا فضيلة الإمام الأكبر الدكتور/ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف الغرب لدراسة الإسلام والتعرف عليه عن قرب واكتشاف ما فيه من تعاليم وتشريعات حكيمة كرمت الإنسان وحفظت حقوق المرأة وجرمت التطرف والعنصرية، ورسخت لقيم الاحترام المتبادل والتعايش المشترك بين جميع البشر.
والواقع أن الأزهر الشريف ومعه المؤسسات الدينية الأخرى فى مصر يعملون على مواجهة التطرف والتعصب الدينى والدعوة إلى الوسطية والتسامح من خلال كافة الأساليب والوسائل المتاحة حتى يمكن تصدير صورة حقيقية للعالم حول سماحة الإسلام وحكمته وتكريمه للإنسانية بكافة صورها.
وفى هذا الإطار فقد كان لى الشرف فى المشاركة فى فعاليات دورة بعنوان "تفكيك الفكر المتطرف" للسادة الأئمة والدعاة الوافدين من دولة ليبيا الشقيقة نظمتها أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ بالتنسيق مع المنظمة العالمية لخريجى الأزهر.. وكذلك تلقيت دعوة أخرى للأئمة والدعاة من دولة الصومال.. ولا أخفى عليكم أن هذا اللقاء كان من أهم اللقاءات التى شاركت فيها مؤخرًا فى جميع المحافل والمنتديات من وجهة نظرى، حيث استشعرت أن اللقاء لم يكن مجرد ندوة أو محاضرة بقدر ما كان رسالة أحملها لهم لأوضح تلك المفاهيم الدينية المغلوطة التى تدفع إلى التطرف، والتى تحتاج دومًا إلى تصحيح وإلى بيان أسباب الخلل والخطأ فى التفكير التى تسفر فى النهاية عن تلك الأفكار المشوهة والمغلوطة.. وكنت واضحًا معهم عندما تناولت ما يمارسه منظرو التيارات المتطرفة مع من يجهلون العلوم الشرعية كأحد المسببات لانتشار ظاهرة التطرف.. فالجهل هو المناخ المناسب لانتشار التطرف، حيث إن الأفكار المتطرفة غالباً ما تكون سطحية تعتمد على الاستدلال الانتقائى والتفسير الظاهرى للنصوص الشرعية، ولذلك فإن عملية تجنيد العناصر المؤهلة نفسياً وذهنياً للتطرف دائمًا ما تطال ذوى المعرفة الضئيلة بالعلوم الدينية والشرعية بسبب عدم قدرتهم على تحليل الخطاب المتطرف واستبصار تناقضاته وضعفه.
إن مواجهة الفكرالمتطرف عملية تحتاج إلى إلمام كامل وشامل لكافة الوسائل المتاحة لذلك، وهى تحتاج استراتيجية متكاملة تتشارك فيها جميع المؤسسات المعنية بذلك بما فيها المؤسسات الأمنية، حيث إن تلك المواجهات لا يمكن لها أن تتم بمعزل عن استحضار الأسباب الرئيسية الدافعة للتطرف والعمل على معالجتها قبل استفحالها وامتداد تأثيرها على المجتمعات التى تنشأ بها وتعطى انعكاسًا سلبيًا عن صورة الإسلام السمح الوسطى الذى تنادى به المؤسسات الدينية المختلفة.
كانت مداخلات الدارسين تعطى انطباعًا إيجابيًا برغبتهم الحقيقية لمواجهة ظاهرة التطرف فى الدولة الليبية التى تعانى بالفعل فى بعض مناطقها من تواجد عناصر وتنظيمات متطرفة تقبع بداخلها، وتحاول بين الحين والآخر إن تثبت وجودها من خلال بعض العمليات الإرهابية التى يذهب ضحيتها العديد من الأبرياء من أبناء ليبيا، حيث تبين أن القائمين بتلك العمليات يعانون من الجهل وعدم التمييز الذى يجعله فريسة سهلة للتأثير عليه، بالإضافة إلى البطالة على الرغم من فرص العمل التى تتيحها الحكومة هناك إلا أن تنازع القبائل وعدم وحدة الحكم أدت إلى ظهور طوائف تعمل لحساب فئة ضد فئة أخرى لنشر التوتر فى البلاد وإظهار ضعف المسئولين هنا وهناك من السيطرة على الأوضاع الأمنية، ومن هنا يكون الشباب أحد أدوات التخريب والتدمير لبلادهم وهم لا يعملون.
أوضح لى بعض الدارسين أن الأحداث الأخيرة التى مرت بها الدولة الليبية أدت إلى تفكك الأسر والعائلات وهو الأمر الذى استخدمته التنظيمات المتطرفة لتوظيف الدين لأهداف سياسية واستهداف أبناء تلك العائلات، ونقلهم من حالة التدين الوسطى إلى التشدد والتطرف واستغلال مشكلاتهم الحياتية كالفقر والجهل والبطالة، لاستقطابهم ضمن تلك الجماعات حالمين بحياة أفضل أو على الأقل سد احتياجاتهم وحل مشاكلهم، وذلك فى غياب دور الأسرة التى أصبحت تنشغل بالبحث عن الأمان والحياة وتوفير لقمة العيش لأفرادها.. هكذا أصبحت الدولة الليبية بعد تلك الأحداث التى تعرضت لها خلال السنوات العشر الأخيرة.
أعتقد أن تلك اللقاءات كان لها تأثير كبير على الأخوة الدارسين خاصة بعدما علمت أن من بينهم أساتذة جامعيون لديهم اهتمام بالتعامل مع الطلبة فى سنوات دراستهم الجامعية، وأن عليهم مسئولية انتشالهم من براثن التطرف والتعصب وحمايتهم منه والحفاظ عليهم فى دائرة الإسلام القويم الذى يحافظ على الإنسانية والكرامة والوسطية والإخاء.. وهى مسئولية كبيرة جعلتهم يتساءلون عن أنسب الوسائل لحماية هؤلاء الشباب وكيفية التعامل مع عائلاتهم لاستكمال دور الجامعة فى حمايتهم، وكذلك دور المساجد والإعلام والهيئات الدينية الأخرى.. كما كان هناك سؤال حول موضوع المراجعات الفكرية التى كانت مصر سباقة إليه وهل كان له تأثير على عودة منحرفى الفكر إلى جادة الصواب؟ وهل كان ذلك عن قناعة أم لمجرد إعادة النظر فى عقوباتهم؟
وهنا كنت صريحًا معهم فى إيجابية التجربة إلى حد كبير، ولكن ليس بالضرورة أن تكون تلك الإيجابية قد حصلت على العلامة الكاملة.. المهم أن التجربة حققت نجاحاً ملموساً خاصة بعدما استمرت عمليات المتابعة، وتم إدماج العديد منهم فى المجتمع وأصبحوا عناصر فاعلة فيه، وهناك العديد من النماذج التى تؤكد ذلك.
لقد أصبح الأزهر الشريف بكافة مؤسساته يمثل تلك القوة الناعمة التى تؤثر تأثيرًا كبيرًا على كل من يلجأ إليه من الدول والحكومات التى تسعى إلى مواجهة الأفكار المتطرفة وخلق أجيال جديدة من الشباب المعتدل الذى يسعى إلى الرقى ببلاده وأوطانه.. ولعل الفرصة سانحة الآن أكثر من أى وقت مضى لاستمرار هذا الدور، بل والتوسع فيه خاصة أن جميع الدول التى تعانى من التطرف وعناصره ومصادره باتت تسعى إلى الوقوف على السبل الرشيدة؛ للقضاء عليه والاستفادة من التجربة المصرية التى أصبحت حديث العالم فى هذا المجال؛ نتيجة تضافر جهود جميع أجهزة الدولة، لتحقيق ذلك فى إطار توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى تحمل الأمانة والمسئولية، فى وقت كان الإرهاب والتطرف قد ساد البلاد فى فترة عصيبة تعامل معها بحكمة وقوة وثبات إلى أن تحقق هذا الاستقرار والأمان الذى ننعم به حاليًا، ودائمًا بإذن الله.. وتحيا مصر.