يوم المرأة المصرية
لم يكن غريبًا أن يكون يوم المرأة المصرية متزامنًا مع ذكرى أول مظاهرة للنساء فى ثورة ١٩١٩ خلعن فيها النقاب وخرجن يطالبن بالاستقلال.. ولم يكن غريبًا أيضًا أن يكون تقدم المرأة المصرية دائمًا مرتبطًا بالتحرر من التقاليد القديمة والرجعية وبالفهم الصحيح المستنير للدين.. ذلك أن الفهم المتطرف للدين كان هو أكبر عدو للمرأة المصرية وكأنه استهدف حرمانها من مكاسبها التى حققتها منذ ثورة ١٩١٩ ومساواتها بغيرها من النساء فى الدول المجاورة الأقل تطورًا والتى لم تكن قد مرت بمراحل التطور الحضارى التى شهدتها مصر.. حيث ارتبط تراجع أوضاع المرأة المصرية منذ السبعينيات بالصعود المريب والمصنوع لجماعات الإسلام السياسى التى أقنعت النساء قبل الرجال بأن المرأة مخلوق أقل من الرجل وأن عملها فتنة وحقوقها بدعة وحريتها انحلال.. ولم يكن غريبًا أن يكون أول ما يفكر فيه أعضاء هذه الجماعات التى تم زرعها فى جامعات مصر هو توزيع الزى الذى وصفوه بأنه إسلامى على الطالبات مجانًا.. ثم إقناعهن بأن عملهن ليس ضرورة وأنه من الأفضل أن يتفرغن لتربية الأبناء.. ولم يكن غريبًا أن يتخصص بعض مشاهير دعاة التيارات المتطرفة غير الأزهرية فى قضايا النساء وأن تخصص شرائط كاسيت شهيرة ودروس يحضرها عشرات الآلاف للهجوم على قاسم أمين، القاضى الذى دعا المرأة المصرية لخلع النقاب.. وعلى عمل المرأة وتعليمها وربما وجودها من الأساس فى استهداف مكثف لحضور المرأة المصرية الذى لم يكن- وربما لم يزل- له مثيل فى دول المنطقة العربية والمجتمعات المحيطة.. لذلك لم يكن غريبًا أن تكون انطلاقة المرأة المصرية الجديدة مع ثورة ٣٠ يونيو التى أقصت التيارات الظلامية من الحكم وحررت مصر من ذلك الوجود الثقيل لهذه الأفكار الرجعية والمتخلفة التى شوهت وجه الحياة فى مصر منذ ما بعد حرب أكتوبر وحتى ثلاثين يونيو ٢٠١٣.. ولعل ذلك المعنى كان هو الحاضر الغائب فى احتفالية المرأة المصرية بالأمس والتى جمعت بين ذكرى استشهاد حميدة خليل أول شهيدة فى ثورة ١٩١٩، وبين ذكرى عيد الأم التى ندين لها جميعًا بما قدمته لكل منا فى حياته.. ولقد سعدت بحضور هذه الاحتفالية السياسية الثقافية الفنية وكنت أفكر أن الاحتفال بمعناه الترفيهى هو آخر أهداف هذه المناسبة الإعلامية الهامة التى قدمت عشرات الرسائل لتقدير المرأة المصرية بنماذجها المتعددة والرائعة.. وقد تأثرت غاية التأثر وأنا أشاهد قصة الطالبة ذات الهمة التى تحدت الفقر وإرادة الله فى كف بصرها وحصلت على منحة الجامعة الأمريكية التى تخصص لمستحقى معاش تكافل وكرامة وإذا بى أهمس لنفسى وهى تحكى قصتها على الشاشة قائلًا: هذه حفيدة طه حسين.. من النماذج الرائعة أيضًا تلك الجدة السمراء من مواليد ١٩٣٦ والتى التحقت بفصول محو الأمية بعد أن تخطت الثمانين وحققت أمنيتها فى الجلوس على «تختة» المدرسة على حد تعبيرها.. ولم تخطئ العين النماذج الرائعة لفريق أطفال الأوبرا المغنين ولا الثلاثة مطربين الأطفال الذين غنوا أغنية منفصلة عن الأم، وهذه كلها رسائل طمأنة لمن يبدون قلقهم على الفن المصرى أو القوى الناعمة المصرية على حد التعبير الذى شاع مؤخرًا.. ولعل الرسالة أن مصر بخير وأنها مثل أى أم مقدسة «ولادة» وستظل كذلك إلى الأبد.. تلد المواهب بنفس السهولة التى تلد بها فلاحة مصرية طفلها فى الحقل وهى تعمل ثم تعود به إلى منزلها فى هدوء.. من الرسائل الهامة بالطبع ما أكدته الوزيرات الثلاث الداعيات للاحتفالية وما يؤكده الواقع حول الدعم اللامتناهى من الرئيس السيسى للمرأة المصرية ولعل هذا الدعم هو أكبر رد على بعض سطحيى الثقافة ومدعى التنوير الذين يخلطون بين الطبيعة المحافظة للرئيس كرجل مصرى من الطبقة الوسطى المحافظة وبين فهمه للدين وهو فهم مستنير لأقصى درجة يفهم الدين على أنه طاقة دافعة للأمام ورسالة حرية ومساواة لكل المؤمنين به، وهو فى هذا متأثر دون شك بفهم أئمة الإصلاح الدينى مثل الإمام محمد عبده وتلاميذه مصطفى عبدالرازق ومحمود شلتوت وغيرهم من أئمة الأزهر العظام.. ولعل احتفالية المرأة المصرية كلها والقرارات التى تم إعلانها فى ختامها هى أفضل باقة ورد يمكن إهداؤها للمرأة المصرية الأم والأخت والزوجة والحبيبة.. فتحية لها فى عيدها وتحية لكل رجل ناصر المرأة المصرية وسعى لرفع الظلم الواقع عليها من قديم الأزل.