وادى السيليكون ضحية الفيدرالى الأمريكى
هناك من سيكون سعيدًا عند سماع عبارة "إفلاس أمريكا"، على وقع إفلاس بنك وادي السيليكون، أحد أكبر البنوك الأمريكية، لأن هناك الكثير ممن لا يطيقون سماع اسم هذه الدولة، ولا حزبها الديمقراطي.. هناك من يقول إن مشاكل الولايات المتحدة الحالية تعود إلى الحرب الروسية ـ الأوكرانية، التي دخلت عامها الثاني.. وهذا ليس صحيحًا في المُطلق، ويقول إن اقتصاد أمريكا سينهار، وأن هذا مُفيد لنا.. هنا، علينا أن نبتعد عن تحكيم المشاعر في أحكامنا على الأمور، وخصوصًا عند الحديث عن الاقتصاد، لأن حدوث مشاكل لأمريكا، ولو بسيطة، فإنها تنعكس علينا كدول، ومصر من بينها، وينعكس حتى على الصين، صاحبة الاقتصاد العملاق، ومن تعتبرها واشنطن عدوها الأول، لأنها ستتأثر هى الأخرى وبقوة.. والمثال كان واضحًا، عندما حدث تضخم في أمريكا، أصبحنا نعاني أثر أزمة اقتصادية طاحنة.
بنك وادي السيلكون، أو SVB، أحد أكبر البنوك الأمريكية، يتعامل مع الشركات الصغيرة العاملة في مجال التكنولوجيا، بحجم أعمال بلغ 220 مليار دولار، ودائع لديه.. وإفلاسه يُعد كارثة لم تحدث منذ عام 2008، عندما سادت العالم أزمة اقتصادية.. إفلاس هذا البنك، بالإضافة إلى التضخم التي تعيشه الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تخطي ديونها الخارجية حاجز الواحد وثلاثين تريليون دولار، وما تسبب فيه من أزمة بين الحزبين الكبيرين، الجمهوري والديمقراطي، لرفع سقف الدين هناك.. جميعها لم تنشأ بسبب الحرب في أوكرانيا، لكنها بدأت منذ زمن، وظهرت بقوة في عهد باراك أوباما، الذي سبق وأن رفع سقف الدين الخارجي لبلاده.. لأن الاتجاه اليساري، الذي سار فيه أوباما، رفع مستوى التأمين الصحي، ومنح إعانة بطالة لكل من لا يجد عملًا، وهذه قيم إنسانية سامية، لشعب يتجاوز تعداده الثلاثمائة مليون نسمة.. كذلك أغدق الأموال على الشعب، في ظل أزمة كورونا.. هذا أدى ـ في ظل وجود إمكانيات أقل من حجم التحديات ـ إلى التضخم، كنتيجة طبيعية لإنفاق أموال دون ناتج قومي يغطي المطلوب، ناهيك عن تقليل الضرائب على الفقراء، ورفعها على الأغنياء، مما حدا بكثير من رجال الأعمال إلى الهروب بأموالهم وشركاتهم إلى الخارج، وخصوصًا إلى الصين.. هذا أدخل الولايات المتحدة في كوارث اقتصادية، حاول الرئيس السابق دونالد ترامب علاجها، ولكنه رحل وجاء جو بايدن، ليعيد سيرة الحزب الديمقراطي ثانية.
في 29 أكتوبر 1929، أو ما يُعرف بـ "الثلاثاء الأسود"، شهدت الأسهم الأمريكية انهيارًا، تبعته انهيارات في كل دول العالم، لأن انهيار أكبر دولة اقتصادية في العالم، ينتقل بالعدوى إلى بقية دول هذا العالم، وهذا طبيعي، إذ إن إفلاس بنك كبير يثير مخاوف لدى عملاء البنوك الأخرى، خوفًا من تكرار ما حدث في ودائعهم، أو خسارة أسهمهم، فيتجهون إلى السحب الجماعي لأموالهم، وهذا يؤدي بدوره إلى عجز البنك عن الوفاء برد كامل الأموال، لأنها ليست كلها سائلة، فمنها القروض ومنها ما يدور في مشروعات.. إذن ما يحدث في أمريكا، ينتقل إلى أوروبا، منهما إلى بقية الدول، والسبب (كلام).. كيف؟.
يحتل بنك وادي السيليكون المرتبة السادسة عشرة بين البنوك الأمريكية، في حجم الأصول.. بدأت مشكلته عندما أعلن عن حاجته إلى جمع 2.25 مليار دولار على وجه السرعة، لتعويض خسائر بيع بعض الأصول، نتيجة ارتفاع سعر الفائدة، التي أعلنها البنك الفيدرالي الأمريكي الشهر الماضي، مثله مثل بقية البنوك التي أضرها رفع الفائدة على الدولار.. إعلان البنك هذا، أدى إلى تكالب المودعين على سحب ودائعهم، مما أدى إلى عجزه عن تلبية كل السحوبات، رغم تطميناته لعملائه، بأن ودائعهم في أمان، إلا أن ذلك لم يجد نفعًا.. تمامًا كما يحدث عندنا من إشاعات عن توقعات بارتفاع الدولار مقابل الجنيه، فيتكالب الناس على الشراء، مما يضر بقيمة الجنيه فعلًا، ويؤدي إلى ظهور السوق السوداء.. فالكلام أقوى من الواقع، كما يقولون.
الخبير الاقتصادي العالمي، المصري الأصل، د. محمد العريان، يؤكد أن النظام المصرفي الأمريكي مازال قويًا، ويمكنه تدارك أزمة بنك وادي السيليكون، لكنه لم ينس أن يؤكد أن من أهم أسباب الأزمة الحالية، الرفع السريع والمتتالي لسعر الفائدة، من قِبَل البنك الفيدرالي، وثانيًا، زيادة مخاطر القروض التي تمنحها البنوك للأفراد بضمانات ضعيفة ودخول متواضعة، الأمر الذي أدى إلى تعثر ملايين الأمريكيين في سداد ما عليهم، وأدى إلى أزمة مالية، شبيهة بما حدث عام 2008، بعدما أرهقت الفائدة سريعة الارتفاع كاهل كل هؤلاء المُقترضين، والذين يصلون حد 85% من تعداد السكان هناك.
ويأتي السؤال: هل ما يحدث في الولايات المتحدة له آثار إيجابية على مصر؟.
الإجابة: نعم.. فبنك وادي السيليكون يُعد ثاني أكبر بنك يُعلن إفلاسه في تاريخ أمريكا.. هذا الوضع بمثابة ركود تضخمي، وكارثة في النظام المصرفي الأمريكي، مما سيدفع البنك الفيدرالي هناك إلى "فرملة" رفع مستويات الفائدة، التي تسببت في مشاكل كبيرة، لمصر وغيرها من الدول.. فهذا البنك سيفكر ألف مرة، قبل أن يرفع سعر الفائدة مرة أخرى.. ثانيًا سيؤدي ما حدث إلى ضعف قيمة الدولار، وهذا يُفيد الاقتصاد المصري، بعودة توافد الأموال الساخنة، وتدفق الاستثمارات، واستقرار سعر صرف الجنيه.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.