الرياض وطهران.. وبكين بينهما
بإحراز هدف تاريخى فى منطقة الشرق الأوسط، استهل الرئيس الصينى، شى جين بينج، فترته الرئاسية الثالثة، التى أشرنا، أمس، إلى أنه سيواصل خلالها تنفيذ منهجه، تصوّره، أو «فكر شى جين بينج حول العصر الجديد للاشتراكية ذات الخصائص الصينية»، الذى تم تضمينه فى ميثاق الحزب الشيوعى الصينى، والقائم على ١٤ مبدأ، أبرزها «تأكيد الوحدة والثراء».. و«تعظيم قدرات جيش الشعب»، ليصبح الأقوى عالميًا بحلول منتصف القرن الحالى، و... و... وجعل الصين أكثر انضباطًا داخليًا، وذات دور أكبر خارجيًا.
مع قيادتى السعودية وإيران، اتفق الرئيس الصينى على أن تقوم بلاده باستضافة ورعاية المباحثات بين البلدين، التى عرفنا من البيان الثلاثى أنها بدأت الإثنين الماضى، وانتهت أمس الأول الجمعة، بالاتفاق على إعادة فتح سفارتى البلدين وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران، وتفعيل اتفاقية التعاون الأمنى الموقعة بينهما سنة ٢٠٠١، وكذا تفعيل الاتفاقية العامة للتعاون فى مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة فى ١٩٩٨، مع احترام سيادة الدول وعدم التدخل فى شئونها الداخلية.
منذ سبع سنوات تقريبًا، تحديدًا فى يناير ٢٠١٦، قطعت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران، إثر الهجوم على السفارة السعودية وملحقياتها فى العاصمة الإيرانية ومشهد، ومنذ ذلك الوقت، سعت دول شقيقة للتهدئة، وحاولت «كسر الجليد» الذى أحاط بالعلاقات السعودية الإيرانية، وأبلغتها المملكة بأنها تسعى دائمًا للأمن والاستقرار فى المنطقة، لكن بدا واضحًا أن أقصى ما يمكن للوسطاء، الأشقاء، عمله، فى أحسن الأحوال، هو وضع إطار عمل لعملية تفاوض طويلة الأمد. وعليه، كان مدهشًا، أن تتمكن الوساطة الصينية من تقليص أمد التفاوض، الذى انتهى بإذابة هذا الجليد، ونقل العلاقات بين البلدين من حافة الهاوية إلى شاطئ التسوية، وكسر ارتباطها بالتفاهم الإيرانى الأمريكى، الذى قد يحدث قريبًا.. وقد لا يحدث أبدًا.
الخطوة السعودية الإيرانية، رآها البعض انتصارًا دبلوماسيًا للصين فى منطقة تسيطر الولايات المتحدة على جغرافيتها السياسية. بينما وصفها وانج يى، وزير الخارجية الصينى، بأنها «انتصار للحوار، وانتصار للسلام، وتقديم أخبار جيدة مهمة فى وقت يموج فيه العالم بالاضطراب»، مؤكدًا أن بلاده ستستمر «فى لعب دور بنّاء فى التعامل مع قضايا ساخنة فى العالم وإظهار مسئوليتها كأمة كبرى». أما نحن فنراها نتيجة طبيعية، للعلاقات الجديدة، الجادة والجيدة، التى بنتها بكين، بهدوء وحذر، لكن بثبات، مع المنطقة، والقائمة على الاحترام المتبادل، والتنمية الاقتصادية دون تدخل فى شئون الدول الداخلية، أو محاولة تصدير أفكار غير ملائمة.
انطلاقًا من دورها المحورى فى محيطها الإقليمى، وتأسيسًا على أطر السياسة الخارجية، التى تبنتها دولة ٣٠ يونيو، أو الجمهورية الجديدة، والقائمة على الندية، الاحترام المتبادل، وعدم التدخل فى شئون الدول الداخلية، تابعت مصر، باهتمام، الاتفاق السعودى الإيرانى، وأعربت، عبر بيان أصدرته الخارجية المصرية، عن تطلعها إلى أن يسهم الاتفاق فى تخفيف حدة التوتر فى المنطقة، وأن يعزز من دعائم الاستقرار والحفاظ على مقدرات الأمن القومى العربى. كما عبّرت، بحسب البيان الذى أصدره المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، عن تقديرها لهذه الخطوة المهمة، وتثمينها التوجه، الذى انتهجته السعودية، وتمنّت أن يكون لهذا التطور مردود إيجابى إزاء سياسات إيران الإقليمية والدولية، وأن يشكّل فرصة سانحة لتأكيد توجهها نحو انتهاج سياسة تراعى الشواغل المشروعة لدول المنطقة، بما يعزز فرص التعاون وتوطيد التواصل الإيجابى فيما بينها، من أجل رسم مسار للعلاقات يلبى آمال شعوب المنطقة فى الازدهار والتقدم.
.. وأخيرًا، ننتظر أن ينتهى اجتماع وزيرى خارجية البلدين المرتقب، على خير، وأن يتم تبريد كل النقاط المشتعلة، أو مناطق التصادم، بين البلدين، سواء فى اليمن أو البحرين أو لبنان أو سوريا. كما نتمنى أن تبدأ عملية بناء ثقة تدريجية، كتلك التى سبق أن طرحها، أو تحدث عنها، الرئيس الإيرانى الراحل هاشمى رفسنجانى، منذ عشر سنوات تقريبًا، تضع أى خلافات، حالية أو مستقبلية، فى إطار التنافس لا التصادم.