تاريخ يباع من أجل حفنة دولارات
لا أدري من الذي يتعمد إصدار القرارات التي تؤدي للإطاحة بمدينة بورسعيد خارج خارطة السياحة المصرية.. المدينة كانت من أهم شواطئ مصر ومصايفها حتى أواخر الستينيات وثاني مدينة ساحلية بعد الإسكندرية فقدت بالتدريج كل مقوماتها السياحية.. بعد شق التفريعة في قناة السويس تم حرمان المدينة من وقوف السفن بها ونزول السواح الأجانب للتسوق وانتهت مهنه البمبوطية "man boat".
وفي أهم شوارع المدينة المتاخم لقناة السويس من مرسي المعدية حتي ممشي ديليسيبس قاموا ببناء محلات لتجارة المحمول بمنشآت خرسانية قميئة تحجب الرؤيا عن البحر، وأخيرًا تم تكسيرها بعدما اكتشفوا حجم الجرم الذي حدث.
الشاطئ بالكامل تم تشويهه بمنشآت خشبية غير متناسقة وتم هدم المتاحف ودور السينما وحتى دار الأوبرا الشيك لم يتم عرض عمل أوبرالي واحد منذ إنشائها ويتم تأجيرها لحفلات طلاب المدارس.
بعد تجهيز قاعدة تمثال ديليسيبس فوجئ أهل المدينة بسرقته ليلًا ونقله خارج المدينة في أحد متاحف الإسماعيلية وتمر الأيام ولا يزال التمثال المسخ "والذي أطلق عليه كل مواطني بورسعيد اسم تمثال ستوتة" قابعًا في مكانه بمدخل قناة السويس؛ ليؤذي بصر كل سفينة تمر من المجري السياحي العالمي رغمًا عن أنف كل أهل المدينة وفنانيها وروادها.
وأخيرًا يتم الآن إهدار أرض أهم متحف مصري في أجمل مواقع المدينة.. المتحف الذي يقع في مدخل قناة السويس وأول ما تقع عيون السائحين عليه وهو قادم من البحر إلى بورسعيد.. المتحف كان يضم آثارًا من كل العصور بدءًا من العصر الفرعوني حتى العصر اليوناني الروماني والعصر القبطي والعصر الإسلامي وصولًا إلى عصر محمد علي، وكان يضم حوالي ٩٠٠٠ قطعة أثرية من كل هذه العصور، وهذا ما جعله مميزًا.
كان المتحف يتكون من بدروم يضم معامل الترميم والمكاتب الإدارية والمخازن، ودور أول عبارة عن عرض مفتوح للمقتنيات الأثرية التي تحكي تاريخ مدينة بورسعيد عبر العصور التاريخية المختلفة والتراث الشعبى البورسعيدى، بالإضافة إلى سلم كهربائي يصل بين الميناء والمتحف مباشرة لسهولة زيارة السائحين للمتحف دون الحاجة للمرور بالشارع الخارجى، بالإضافة إلى مصعد كهربائي لذوي الهمم.
هذا المتحف الذي كان يعد من أجمل المتاحف التي يمكنك زيارتها كان أشبه بمتاحف العصور الوسطى، حيث يوثق تاريخ مصر وخاصة نضال محافظة بورسعيد ضد العدوان منذ حفر قناة السويس مرورًا باحتفال افتتاحها وتناول التخطيط لحرب أكتوبر المجيد، فيمكن رؤية الحرب القديمة من خلال اللوحات البارزة المصممة بعناية لتشعرك بأنك أمام معركة حربية حقيقية.
لا أصدق أن الدولة التي أنشأت أكبر متحف فى العالم بالجيزة وأقامت متحف الحضارة وكوكب المومياوات وطريق الكباش فى الأقصر تفرط بسهولة في متحف مقام على موقع أسطوري يصعب تكراره من أجل إنشاء مساكن بشقق فندقية سعر الشقة الغرفتين وصالة فيها يبدأ من ١٠ ملايين جنيه!
هل هذا هو جزاء المدينة الباسلة التي كانت دائمًا خط الدفاع الأول عن مصرنا الحبيبة؟ الموضوع يحتاج لإعادة نظر في أسرع وقت يا سادة أتمني تدخل محافظ المدينة هو أحد أبنائها وحامل لهمومها من أجل حماية تراث المدينة وإعادتها لخارطة السياحة مرة أخرى.