سلامًا على الشهداء
كل الكلمات لا معنى لها أمام الدماء الزكية.. كل الحروف باهتة أمام الأرواح النقية.. كل العبارات مهما كانت بليغة تبدو باهتة أمام التضحية بالنفس.. كل الكلام يصبح مبتذلًا إذا قورن بفعل الشهادة.. الشهيد يصبح شهيدًا لأنه رفض الهرب.. لأنه قرر أن يكون شهيدًا.. لا يوجد شهيد بالصدفة.. الشهيد يمضى إلى ربه بإرادته.. مرفوع الرأس.. مطمئن القلب.. عالى الهمة.. وكل كلام فى وصف شجاعته باطل.. وكل مدح عاجز.. لذلك لا تصف الشهيد سوى بأنه شهيد.. لا حرف زائدًا.. فبماذا ستضيف له إذا قلت إنه شجاع وإنه جسور وإنه همام وإنه جرىء.. لقد اختصر هو كل هذه الأوصاف واختار وصفه الأسمى «الشهيد»..
كانت هذه بعض خواطر تداعت إلى ذهنى وأنا أشارك فى احتفال القوات المسلحة ومصر كلها معها بيوم الشهيد.. جلست أشاهد المادة التى تسجل بطولات الشهداء وقلبى يخفق وعقلى يعمل ويحلل.. إن هؤلاء الشهداء الذين رأينا صورهم وأمهاتهم وأبناءهم وزوجاتهم يشبهوننا تمامًا.. إنهم منا.. إخوة وأبناء لنا.. لا يختلفون عنا مقدار ذرة.. الغرباء هم الأعداء.. الكفار والتكفيريون.. الوافدون والمتسللون والغرباء.. هذا واحد من أسرار جيش مصر.. إنه جيشنا نحن.. إنه منا.. أنا وأنت وأخى وأخوك وابنى وابنك.. يخدم بعضنا فيه كجنود.. ويخدم بعضنا فيه كضباط أو كصف ضباط.. إنه جيش المصريين جميعًا.. المسلم والمسيحى.. الصعيدى والبحراوى.. النوبى والسكندرى.. الكل فى واحد.. بالفعل وليس بالقول.. بالحق وليس بالادعاء.. بالفعل وليس بالكلام.
من الرسائل التى يقرأها العقل أيضًا ويصدق عليها القلب أن هؤلاء الشهداء مصريون متدينون.. تديّن المصرى الشريف والتقى.. وأنهم يعرفون أن حب الوطن من الإيمان وأنهم رغم تدينهم لم ينخدعوا براية الدين التى يرفعها التكفيريون والكفرة.. وأنهم أدركوا أن الدفاع عن الوطن هو أساس التدين الحق فوهبوا أرواحهم للوطن راضين.. وأن هذا الرضا انعكس على أسرهم بالرضا والتسليم والإيمان بقضاء الله وقدره بل وشكره عليه.. من الرسائل أيضًا أن المصريين وقفوا يدًا واحدة فى مواجهة الإرهاب.. فهذا جندى قبطى وهذا نوبى وهذا ضابط صعيدى وهذا قاهرى جمعتهم كلهم رابطة الأخوة ثم عقيدة الفداء ثم رباط الشهادة.. يقول لى عقلى وأنا أشاهد الأفلام التسجيلية التى تروى قصص الشهداء إن هؤلاء الشباب انضموا للقوات المسلحة فى فترة حرجة.. وإنهم أدركوا جميعًا أنهم معرضون للموت فى أى لحظة.. وأنهم مع ذلك أقبلوا على مهامهم راضين كل الرضا.. ومسلّمين كل التسليم.. رغم أنه كان بإمكانهم ألا يفعلوا بألف طريقة وطريقة.. لكنهم اختاروا طريق الشهادة وأن يسيروا على نهج أسلافهم العظام.. لا شهيد يموت بغير قرار منه.. يظل يقاتل حتى يلقى الشهادة.. لو أنه لا يريد الشهادة لما ظل يقاتل حتى الرمق الأخير.. يقول لى عقلى إن مصر الآن آمنة مطمئنة بفضل أرواح الشهداء.. أبطال الجيش المصرى.. وإن المعاصرة حجاب وإن الناس تلهيهم شئونهم عن معرفة الحقيقة.. لقد استشهد كثير من الشهداء فى سنوات المواجهة الصعبة من ٢٠١٤ حتى ٢٠١٨ ولم نكن جميعًا نعرف التفاصيل الدقيقة.. لم نكن نعرف الثمن الذى يدفعه المقاتلون حتى نحيا فى أمان.. نقع جميعًا فى خطأ الظن بأن الأمور تسير بالقصور الذاتى.. دون جهد ودون تضحيات ودون عمل.. وهذا أكبر خطأ يقع فيه الجميع لأنه يقودهم إلى النكران.. وإلى الجحود.. وإلى المساواة بين من يعمل ومن لا يعمل.. بين من يبنى ومن يهدم.. بين من يضحى ومن يرتزق.. والسبب هو الجهل بالحقيقة أو الوقوع فى فخاخ المضللين.. وهكذا يلعب التضليل لعبته.. فيصور من يضحى وكأنه معتد مخطئ.. ويصور الإرهابى والسمسار على أنه ضحية.. قمة الفجر بضم الفاء.. لكنه يحدث للأسف.. بفضل دماء الشهداء فإن أركان الدولة راسخة وحياة المصريين آمنة.. ومشاريع التنمية مستمرة.. والأزمة الاقتصادية ستكون أزمة عابرة وإلا لما أسميناها أزمة.. ولما قلنا فى أمثالنا «اشتدى يا أزمة تنفرجى».. كل التحية لأرواح الشهداء وكل المحبة لهم.. بجواركم تتضاءل الملمات ويصبح السكوت أفضل من الكلام.. سلامًا عليكم أينما كنتم.