هل يرعى الرئيس مؤتمرًا لتطوير التعليم؟
تحليل تصريحات الرئيس حول التعليم يدل على أنه ملم بالقضية بكافة التفاصيل.. المبالغ المطلوبة للتطوير.. عدد الفصول المطلوب إضافتها سنويًا.. رواتب المدرسين.. الجهود التى بذلت فى سبيل التطوير ونجح بعضها وأخفق البعض الآخر.. هذا الإلمام يدل على وعى بأهمية التعليم من جهة وبالتحديات التى تقف فى سبيل تطوير التعليم من جهة أخرى.. أول هذه التحديات، كما يراها الرئيس، هو توفير التمويل اللازم والذى قدره الرئيس بـ٢٥٠ مليار جنيه حتى يكون مستوى التعليم لائقًا.. التحدى المالى ينعكس أيضًا على رواتب المدرسين غير المناسبة لأهمية رسالتهم وهو ما يدركه الرئيس الذى صرح قائلًا: «مرتب المدرس فى حدود ثلاثة أو أربعة آلاف جنيه وهذا يؤثر على أدائه لمهمته».. أو على حد تعبير الرئيس «هتاخد إيه من مدرس مرتبه ثلاثة آلاف جنيه».. هذا الوعى بضرورة توفير التمويل اللازم لم يمنع الدولة من تشجيع وتطبيق أفكار مهمة لتطوير التعليم أطلقها المفكر طارق شوقى، وزير التعليم السابق، ودعمها الرئيس، وهى أفكار فى الطريق الصحيح حتى وإن كان الواقع ما زال غير مؤهل موضوعيًا لاستقبالها وإنجاحها.. فإحدى معضلات التعليم أن أولياء الأمور طرف فيه وأنهم يبدون آراءهم طوال الوقت رغم أنهم ليسوا خبراء فى التعليم.. ومن حقائق الواقع أيضًا أن أجهزة الدولة المعنية لا تكون سعيدة أبدًا بسياسات تعليمية ترفع مستوى غضب المواطن حتى لو لم يكن محقًا فى هذا الغضب..
باختصار يمكن القول إن الرئيس ملم بأدق تفاصيل قضية التعليم ولما تحتاجه ويعرف متى يمكن البدء فى تطوير شامل للتعليم وفى أى مرحلة بالضبط.. ومع ذلك فإن كل خطة للتنمية من الوارد أن تشهد تعديلات حسب معطيات الواقع.. والواقع الآن أن العالم فى أزمة اقتصادية كبيرة قد تستمر عامين أو ثلاثة أو أكثر.. وأن مصر ماضية فى الانتهاء من المشاريع الكبرى مثل مشاريع النقل والمدن الجديدة ومشاريع الاستصلاح العملاقة... إلخ، ما أطرحه هنا أن نعتمد سياسة التطوير النوعى للتعليم.. وليس التطوير الشامل.. التطوير النوعى يعمل على انتقاء العناصر الذكية من الطلاب ووضعها فى مدارس مميزة على غرار مدارس المتفوقين الـ١٦، ومدارس النيل، ومدارس مصر المتميزة.. هذه ثلاث سلاسل للمدارس موجودة بالفعل لكن البعض لا يشعر بها.. مطلوب أن يمنحها الرئيس رعاية خاصة.. وأن يلتقى بطلابها جميعًا وأن يتم مضاعفة عددها.. أفضل وسيلة لتطوير التعليم أن نعود لطريقة محمد على باشا بانى مصر الحديثة.. كان الباشا يرسل رفاعة الطهطاوى ليجوب الكتاتيب فى الريف وينتقى أكثر الطلاب ذكاء ويرسلهم للمدارس العليا بالقوة أحيانًا.. ومن يتفوق منهم يذهب فى بعثات لأوروبا.. أبناء الفلاحين هؤلاء عادوا ليصبحوا مهندسين وأطباء وضباطًا فى أول جيش وطنى منذ عهد الفراعنة.. الفكرة أن التعليم يمنح الناس أملًا فى غد أفضل.. الشىء الوحيد الذى يجعل المصرى يتحمل مصاعب الحياة ويحرم نفسه من «اللقمة» هو أن يكون لديه أمل فى مستقبل أفضل لأبنائه.. البيوت والحارات المصرية ظلت حتى التسعينيات تشهد ملايين القصص لآباء وأمهات مكافحين ربوا أبناء وصلوا لأعلى الدرجات العلمية بكل شرف وكفاح رغم أنهم كانوا يعملون فى مهن بسيطة.. وقد صار بعضهم وزراء يفتخرون بقصص كفاح أبنائهم.. إحياء التعليم يعيد الأمل لملايين المصريين فى الغد.. لا يمانع المصرى أن يصبر أربعة عشر عامًا أو عشرين عامًا ليرى ابنه كما يحب ويتمنى.. وبالتالى فطرح قضية التعليم فى هذا الظرف الصعب يمنح الناس الأمل وهذه نقطة.. أما النقطة الثانية فهى أنه يغلق الباب أمام بعض قليلى العلم الذين يتحدثون وكأن الدولة لا تهتم بقضية التعليم.. فى حين أنها تفعل رغم نقص الإمكانات.. أما ثالثة النقاط التى تدعو للمطالبة بمؤتمر لتطوير التعليم أننا فى حاجة لأفكار نوعية تلتف على نقص الإمكانات بالأفكار الجديدة.. وهى طريقة يؤمن بها الرئيس وينفذها.. ورابع نقطة أننا ممكن أن نحصر المؤتمر فى كيفية رعاية الأطفال المتفوقين ذوى معدلات الذكاء العالية من الأسر البسيطة.. وما هو الشكل الأنسب لهذه الرعاية.. وهذا ينطوى على بعد اجتماعى وسياسى خطير.. حيث إنه من عدم العدل أن يقتصر التعليم المتميز على ٤٪ من أبناء الأسر التى تستطيع دفع تكاليف المدارس الدولية أو حتى ١٠٪ ممن يستطيعون دفع مصاريف المدارس الخاصة، لأن هذا يعنى أن النخبة بمختلف أطيافها ستنحصر فى هؤلاء فقط وهذا نذير خطر ومؤشر ظلم.. والحل هو أن توفر الدولة التعليم المتميز للطلاب الذين يجتازون اختبارات الذكاء المحايدة عبر سلاسل مدارس المتفوقين بعد التوسع بها أو مضاعفة أعداها كمرحلة أولى تتم تحت إشراف الرئيس السيسى.. أما الدافع الخامس للمطالبة بعقد المؤتمر فهو أننا فى هذا العام نحتفل بمرور نصف قرن على رحيل طه حسين الذى قال لنا إن التعليم كالماء والهواء.. وجسد بنجاحه كل فضائل التعليم على فلاح مصرى فقير وكفيف ونابه.. جعله التعليم رمزًا لأبناء شعبه.. نحتاج لإبراز مجهود الدولة فى مجال التعليم بشكل أكثر وضوحًا لأنه باب كبير للأمل.. ونحن نحتاج الأمل.