«بين أطلال السباعي».. الوجه الآخر لفارس الرومانسية يوسف السباعي
في السيرة الذاتية التي كتبتها خميلة الجندي عن الأديب الراحل يوسف السباعي بعنوان "بين أطلال السباعي"، والصادرة حديثًا عن دار "ريشة للنشر والتوزيع"، نُطالع محطات مختلفة من حياة الكاتب الكبير، الذي ترك أعمالًا روائية لا تزال قادرة على نيل إعجاب الكثيرين.
يبدأ الكتاب بسرد سيرة الوالد محمد السباعي الذي كان له كبير الأثر في حياة ابنه، فالوالد هجر الطب واهتم بالأدب والترجمة، ما جعله يقدم العديد من الروائع الأجنبية إلى المكتبة العربية ومنها “رباعيات الخيام" وكتاب "التربية" للفيلسوف الإنجليزي هربرت سبنسر وعدد من مسرحيات شكسبير.
كان لهذه الترجمات أثر كبير في ذلك الوقت، ما دفع طه حسين لأن يقر بأن ترجمات السباعي هي أول ما أخرجته عن أزهريته وأسمهت في انفتاحه على الكتابات الأجنبية.
معين الطفولة
كان لهذا الأب أثر كبير في حياة ابنه يوسف السباعي الذي تشرّب في وقت مبكر من ثقافة والده وترجماته ونهل منها بعمق، وهو ما قاد إلى عشق الابن للأدب والكتابة في وقت مبكر من حياته وامتهانه لهما فيما بعد، إلى حد دفع السباعي للاعتراف لاحقًا بأن أولى محاولاته في الكتابة كانت محاكاة خالصة لأسلوب أبيه وأفكاره.
مع ذلك، لم تكن ثقافة الأب هي المعين الوحيد الذي نهل منه الابن؛ فقد عاش السباعي طفولته في حي السيدة زينب النابض بالحياة وانطبعت مشاهده في ذاكرته، وهو ما شكّل خياله الإبداعي الذي ظهر فيما بعد في مجموعته القصصية "بين أبو الريش وجنينة ناميش ".
إسهامات في الجيش المصري
التحق يوسف السباعي بالكلية الحربية، لكن ذلك لم يثنه ذلك عن متابعة إبداعه بل إنه تعلم منها المثابرة وتنظيم الوقت، فكتب الكثير من روايته خلال تلك الفترة.
يشير الكتاب إلى أن السباعي كانت له إسهامات مهمة في الجيش المصري مثل تطوير سلاح الفرسان بما يواكب متطلبات العصر، ومتابعة سباق التسلح بكل ما هو جديد في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
قدم السباعي أيضًا إسهامات في أثناء مسيرته العسكرية، إذ شارك في استعراض موكب المحمل ومراسم تنصيب الملك فاروق الأول وحفل افتتاح البرلمان الجديد، كما شارك في حرب فلسطين 48 وحافظ على مكانته في الجيش قبل ثورة يوليو 1952 وبعدها بفضل حرصه على تأدية واجباته بإخلاص لوطنه.
أعماله تتجاوز الرومانسية
تُلح الكاتبة على أن التوجه الأدبي للسباعي لا يمكن قصره على الرومانسية، قائلة: "اختزال ما كتب في "اللون الرومانسي" هو محض افتراء شاع وتغلغل في وجدان القارئ، والغريب أن هذا القارئ المؤمن بهذا القول عادةً لا يكون قد سبق له قراءة أي من أعمال يوسف، أو على أقصى تقدير لم يقرأ سوى عمل أو اثنين".
وتبين كيف أظهرت أعمال الكاتب اهتمامًا بالقضايا المُلحة في عصره، ومنها قضية فلسطين التي احتلت مكانة مهمة في رواياته ومنها رواية "طريق العودة"، وكذلك "ابتسامة على شفتيه"، فضلًا عن أن المأساة الفلسطينية ظهرت في لقاءاته التلفزيونية ومقالاته بصورة مكثفة.
فيلم حبيبي دائمًا
يشير الكتاب إلى علاقة السباعي الوثيقة بالسينما من خلال أعماله الروائية التي تحولت إلى أفلام والتي حققت انتشارا ونجاحا كبيرين.
ومن غير المعروف بشكل كبير، أن فيلم "حبيبي دائمًا" الذي قام ببطولته كل من نور الشريف وبوسي، قد كتب القصة والحوار له يوسف السباعي، فبعد أن كتب القصة، التي هي مأخوذة عن قصة حقيقية، أرسلها إلى نور فكتب له رفيق الصبان السيناريو ثم كتب حوار الفيلم، لكن اسمه لم يظهر على البوستر.
تسرد الكاتبة ملابسات ذلك قائلة: في أعقاب عقد معاهدة السلام مع إسرائيل، مُنع يوسف السباعي كونه رافق السادات إلى رحلة القدس من الدخول لعدد من الدول العربية، فاستأذنت شركة الإنتاج من يوسف إزالة اسمه عن البوستر لتتمكن من توزيع الفيلم خارج مصر، وعُرِض الفيلم بعد عامين من اغتياله ليكون آخر ما قدم للسينما.