فوضى مسابقات مياه الشرب فى الصعيد
رغم أن المجتمع المصرى أصابته رياح التغيير فى اتجاهات كثيرة.. ومن بينها فكرة العمل فى الحكومة إلا أن البعض وبخاصة فى الريف والصعيد لا يزال يتشبث بتراب الميرى.. ويعتبره السند والعزوة والجبر فى الشيخوخة.
وعبر ما يقرب من خمسين سنة مضت راحت الفكرة وجاءت حتى ظن البعض منا أن الأمر انتهى.. وأن العمل الحر استقطب الغالبية العظمى من شبابنا.. ساعد فى ذلك هجرات متتالية إلى العراق وليبيا ومن بعدها الخليج.. وحركة كبرى فى مجال العقارات وتجارة مواد البناء وغيرها من مجالات ازدهرت منذ بداية سبعينيات القرن الماضى وحققت صعودًا اجتماعيًا وماليًا للكثيرين جعل البحث عن وظيفة حكومية أمرًا نادرًا لدى الكثيرين باستثناء بعض الوظائف فى مجالات الشرطة والقضاء.. إلا أنه وبعد مرور كل تلك السنوات ومع اختفاء التعيينات من سجلات الحكومة والاكتفاء بالمسابقات من حين إلى آخر.. عادت فكرة البحث عن وظيفة بأى شكل تطارد الجميع وبخاصة فى الصعيد.. واعتبر البعض أن ذلك الأمر سدًا أمام فكرة الكوسة والمحاباة وتعشم أهلنا خيرًا.. خاصة أن تلك المسابقات ارتبطت بطرق حديثة فى إجراءات التقدم إليها وفى اختباراتها، لكنها سرعان ما تحولت إلى فتنة لا تحمد عقباها فى بعض الأماكن وبخاصة فى الصعيد وفى بعض الشركات بالتحديد وفى مقدمتها القابضة لمياه الشرب.
منذ شهر كنت قد كتبت عن جملة من المهازل جرت فى مسابقة أطلقتها الشركة على مدار عام فى محافظة سوهاج.. وكيف أدت طريقة الاختبارات وعمليات الاختيار إلى تيار من الإحباط سيطر على الآلاف من شبابنا.. وتوجه بعض هؤلاء إلى النيابات والرقابة الإدارية ومجلس الوزراء بما لديهم من تجاوزات والأمر لا يزال قيد التحقيق.
ومنذ يومين تكرر الأمر فى فرع الشركة بمحافظة قنا.. ورغم اختيار ألف متسابق من بين ما يزيد على خمسين ألف شاب تقدموا للمسابقة إلا أن الأمر تحول إلى مأساة اجتماعية نحذر من توابعها بعدما حملت الكشوف أسماء عشرات من قرية واحدة جميعهم ينتمون إلى عائلة أحد العاملين بالشركة واتهمه الشباب من قرية الترامسة بمحاباة الأقارب الذين نشروا أسماءهم.. والجيران وأبناء القرية وتطور الأمر بعد تدخل نواب ينتمون إلى مراكز بعينها يتهمون نوابًا آخرين من نفس المحافظة بالحصول على مئات الوظائف لأبناء عائلاتهم.. وانقلب الأمر إلى صراع عرب وأشراف وهوارة.. الجميع يشكك فى الشركة ومسئوليها ومسابقتها.. وكأنه لا توجد معايير ولا أجهزة رقابية تتابع.. وكأن ما يحدث فى القابضة لمياه الشرب فى قنا يحدث فى بلاد لا نعرفها.
أهل قنا طيبون لكن غضبهم شديد.. أهل قنا كرماء.. لكنهم لا يحبون من يمارس الفهلوة عليهم.. أهل قنا أهل علم وإبداع ويحبون الحق ويحترمون القانون.. لذا قرر الكثيرون منهم، وقد أرسلوا لنا تفاصيل ما حدث، اللجوء إلى القانون ورجاله.. وقرر نوابهم استخدام أدواتهم الرقابية فى البرلمان لبحث الأمر ووقف ذلك العبث قبل أن تشتعل نيران الفتنة بين شباب قنا بسبب تلك الإجراءات التى يرونها غير عادلة على الإطلاق.
رسالتى العاجلة إلى مجلس الوزراء وقيادات الشركة القابضة لمياه الشرب.. أن يتدخلوا اليوم وليس غدًا لوقف هذه الفتنة التى أحدثتها مسابقة الشركة فى سوهاج وقنا وإعادة عملية الاختيار وتفادى ما شابها من تفاصيل تخالف معايير العدالة.. الأمر لم يعد مجرد فرصة عمل لشاب ينتظر ويحلم بالاستقرار.. الأمر تعدى ذلك إلى صراع قبلى وجهوى بغيض تجاوزناه منذ سنوات طويلة.. ولا أعتقد أن أحدًا من العقلاء فى هذه الشركة يقبل بعودته أو بانتشار الإحباط بين صفوف شبابنا الذى يبحث عن حياة أفضل.