هل هناك مؤامرة وراء رفع الأسعار؟
بداية أؤكد أننى أكن كل احترام للتجار المصريين بمختلف فئاتهم وطبقاتهم، ولكن هذا لا يمنعنى من أن أقول إن هناك بُعدًا سياسيًا وكيديًا واضحًا يقف وراء ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية تحديدًا.. هذا الارتفاع قد يكون سببه لعبة عض الأصابع بين بعض التجار ووزارة التموين مثلًا، أو نوعًا من التمرد الصامت على فرض سعر إجبارى لبعض السلع مثل الأرز الأبيض.. لكنه أيضًا قد ينطوى على بعد تآمرى يشارك فيه البعض بعلم أو بغير علم.. بدافع العناد حينًا وبدافع الطمع حينًا وبدافع الانسياق وراء «الرءوس الكبيرة» حينًا آخر.. إن الافتراض الذى أضعه هنا قائم على معرفة أى عدو أو مناوئ أو منافس لمصر بطبيعة المصريين.. ومدى حساسيتهم لما يمكن تسميته «لقمة العيش» أو «الأمن الغذائى» أو «أمن البطون».. فهذه سمة من سماتنا.. ليست ميزة ولا عيبًا.. ولكنها سمة.. فالمصريون لا يشبهون البريطانيين الذين كانوا يأكلون بيضة فى الأسبوع طوال سنوات الحرب حتى حققوا النصر.. ولا يشبهون الألمان الذين أكلوا العشب وورق الشجر فى سنوات ما بعد الحرب حتى أعادوا بناء بلدهم.. المصريون لهم طبيعة مختلفة.. يعرفها كل عدو.. وكل مناوئ وكل منافس.. ولا شك أنه قد يحاول استغلالها بشكل مباشر أو غير مباشر.. لارتفاع الأسعار أسباب موضوعية مثل التضخم العالمى والمحلى أيضًا وارتفاع سعر الدولار وقلة الصادرات والسياحة عما هو مأمول.. لكن جشع بعض كبار التجار يضاف لكل هذا ويزيد الطين بلة.. ويزيد من معاناة المواطن بشكل- ربما- يكون مقصودًا، وأضرب مثلًا بكبار مربى الدواجن فى مصر.. فقد زادت الأسعار نتيجة أزمة العلف، وعندما تم الإفراج عن الأعلاف استمرت الأسعار فى الزيادة.. والسبب أن التجار يريدون تعويض خسارتهم فى الشهور الماضية التى شهدت نقص الأعلاف- هذا من جهة- وأنهم يريدون تحقيق هامش ربح يزيد عن الفوائد البنكية التى ارتفعت من جهة أخرى والارتزاق من حالة الأزمة وارتباك السوق من جهة ثالثة، فالتاجر المصرى من دون تجار العالم لا يقنع بهامش ربح محدد أو بسيط، ولا يؤمن بقاعدة التجارة الذهبية «اربح قليلًا وبع كثيرًا تربح أكثر»، وهو فى الأغلب الأعم يعتبر غش الزبون شطارة، ويبيع بأكثر من سعر حسب حالة المشترى المادية.. ويخفى السلع لحين ارتفاع أسعارها.. وهذه كلها جرائم أخلاقية وتجارية فى كل أنحاء العالم.. إلا فى مصر.. وقد استمعت لمداخلة بين إعلامى شهير وأحد تجار الأرز.. ولاحظت ارتباك الرجل فى تفسير سبب ارتفاع الأرز رغم أنه منتج مصرى مئة فى المئة ولا يرتبط بالدولار.. فلم يجد ما يقوله سوى أن الأرز يعبأ فى أكياس بلاستيك مستوردة! وأن هذا هو سبب ارتفاع السعر.. رغم أن البلاستيك يصنع فى مصر.. وهو أساسًا سلعة رخيصة الثمن.. ولكن الرجل تحلى بالصراحة.. وقال إن التجار يريدون تحقيق هامش ربح أكثر من ٢٥٪ «زى الشهادات»! رغم أن التاجر يبيع بالملايين يوميًا.. عكس معظم أصحاب الشهادات ذوى المدخرات الصغيرة والمتوسطة.. ولو ربح التاجر عشرة فى المئة فقط فى كل كيس أرز فسيربح الملايين كل يوم لأن السوق قوامها مئة وعشرة ملايين.. يأكلون الأرز كل يوم.. لكنه الجشع الذى يصل لحدود المؤامرة.. أو هى المؤامرة التى تستخدم جشع التجار كأداة لها بهدف الضغط على الدولة، وزيادة الأزمة، وعقاب المصريين على تمسكهم بالاستقرار والأمل فى أن تثمر جهود التنمية.. يضاعف من هذا التفسير السياسى الذى أنا شبه مقتنع به.. ما تقوم به لجان الإرهابيين من تشويه لمحاولات الدولة لطرح بدائل رخيصة تنقذ الناس من جشع التجار.. ففى كل بلاد العالم توجد سلع من مستويات مختلفة.. ومنذ طفولتى فى الثمانينيات كان المصريون يعرفون اللحم المجمد واللحم البلدى.. وكل يشترى ما يناسبه.. وليس فى الأمر ما يستحق التعليق على السوشيال ميديا إطلاقًا لا من قريب ولا من بعيد.. وإذا كان لا بد من تعليق فلا بد أن يكون تحية الجهة التى وفرت سلعًا رخيصة لتتوازن السوق وليجد المواطن احتياجاته بسعر أرخص.. حيث لم تتخذ الدولة أى إجراءات استثنائية ضد التجار.. ولكنها لجأت لقانون السوق.. وزادت المعروض من الدجاج والأسماك وغيرهما.. وهو أمر موجود منذ عقود طويلة.. لكن استقباله من قبل لجان الإرهابيين والفاسدين أيضًا يشى بأن فى الأمر رائحة غير نظيفة.. وأن ارتفاع أسعار الغذاء يستخدم كجزء من مؤامرة للضغط على الدولة المصرية من طرف هنا أو هناك.. وهو أمر لا يمكن مقاومته سوى بالوعى والنظرة الفاحصة وعدم استهلاك كل ما يلقى إلينا عبر وسائل التواصل على أنه تعبير تلقائى عن أصحابه.. حيث عادة من يدفع الثمن هو المواطن حسن النية الذى يراد جره إلى الانفجار.. الذى يعقبه الدمار.. فانتبهوا أيها السادة.