أوكرانيا إلى أين؟.. سؤال مفتوح
مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لمعارك روسيا في أوكرانيا، أخبر المسئولون الأمريكيون القادة الأوكرانيين أنهم يواجهون لحظة حرجة لتغيير مسار الحرب، مما يزيد الضغط على كييف لتحقيق مكاسب كبيرة في ساحة المعركة، اتساقًا مع حجم الأسلحة وكم المساعدات الضخمة من الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين.. مؤكدين أن حزم المساعدات الأخيرة من الكونجرس والحلفاء تمثل أفضل فرصة لكييف لتغيير مسار الحرب بشكل حاسم، في وقت تعهد فيه كثير من المحافظين في مجلس النواب الذي يقوده الجمهوريون، بسحب الدعم، بينما لا تزال توجهات أوروبا لتمويل المجهود الحربي في أوكرانيا، على المدى الطويل، غير واضحة.
لقد وافق الكونجرس للبيت الأبيض على أكثر مما طلب، لكنهم أقروا بأن ذلك كان في ظل مجلس النواب ومجلس الشيوخ بقيادة الديمقراطيين.. لكن الآن، فإن لسان حال المسئولين الأمريكيين يؤكد أننا (سنواصل محاولة إقناعهم ـ أي قادة أوكرانياـ بأننا لا نستطيع فعل أي شيء وكل شيء إلى الأبد)، لأن وجهة نظر الإدارة (القوية للغاية)، هي أنه سيكون من الصعب الاستمرار في الحصول على نفس المستوى من المساعدة الأمنية والاقتصادية من الكونجرس.. صحيح أن إدارة بايدن ستواصل طلب التمويل بقدر ما تعتقد أن أوكرانيا بحاجة إليه ـ كما فعلت طوال الحرب ـ ولكن لا توجد ضمانات بأن الكونجرس سيوافق على هذه الطلبات، في ظل سيطرة الجمهوريين على مجلس النواب منذ يناير الماضي.
أصبحت الحرب في الأشهر الأخيرة بطيئة في شرق أوكرانيا، حيث لم يكتسب أي من الجانبين اليد العليا في المعركة، إلا أن المنعطف الحرج سيأتي هذا الربيع، إذ من المتوقع أن تشن روسيا هجومًا وتشن أوكرانيا هجومًا مضادًا، في محاولة لاستعادة الأراضي المفقودة.. لقد تم بالفعل نقل الطبيعة الحرجة للأشهر القليلة المقبلة إلى كييف بعبارات صريحة من كبار مسئولي الإدارة الأمريكية.. إذ سافر مدير وكالة المخابرات المركزية، ويليام جيه بيرنز، إلى كييف، حيث اطلع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، على توقعاته لما تخطط له روسيا عسكريًا في الأشهر المقبلة وشدد على إلحاح اللحظة.. وفي الوقت نفسه، يحرص بايدن ومساعدوه على تجنب أي علامة على انشقاق أو ضعف إرادة الحلفاء الغربيين، قبل ذكرى 24 فبراير، على أمل الإشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن الدعم لأوكرانيا لا يتضاءل.. لكن بعض المحللين قالوا إنه من غير المرجح أن تستحوذ روسيا أو أوكرانيا على ميزة عسكرية حاسمة في المستقبل المنظور.
(يبدو الأمر وكأننا نلعب من أجل حرب طويلة)، قالت أندريا كيندال تايلور، مديرة برنامج الأمن عبر الأطلسي في مركز الأمن الأمريكي الجديد، (أعتقد أن ذلك يتعارض مع ما يأمله الكثير من الناس، أننا نحاول بالفعل مساعدة أوكرانيا على الفوز عسكريًا.. لكن يبدو الأمر وكأنه لحظة من عدم اليقين الشديد).. نعم، فإن بايدن وكبار مساعديه مصممون على دعم أوكرانيا لأطول فترة ممكنة، وعلى أكمل وجه.. لكنهم يخشون من أن المسار السياسي قد يصبح أكثر صعوبة، بمجرد أن تستنفد أوكرانيا حزمة مساعدات الكونجرس، التي قد تحدث في وقت مبكر من الصيف، خصوصًا أن بعض الزعماء الغربيين أبدوا تحفظات بشأن إرسال أنواع معينة من الأسلحة الثقيلة إلى أوكرانيا، خشية مواجهة مباشرة مع روسيا، بعد أن أشار بوتين إلى استعداده لاستخدام أسلحة نووية.. لكن الضغط العلني الصاخب من قبل زيلينسكي، الذي أعقبه عقد صفقات هادئة وراء الكواليس من قبل المسئولين الأمريكيين، قد غير ديناميكية الموقف.. وأمضى بايدن وبلينكن معظم شهري ديسمبر ويناير، في العمل على إقناع الحلفاء بتزويد أوكرانيا بالدبابات والصواريخ التي قاومت إدارته إرسالها لعدة أشهر.
الآن، بينما تستعد الولايات المتحدة لإرسال إحدى وثلاثين دبابة من الدبابات الرئيسية على المدى المتوسط، تقوم أوروبا بتجميع كتيبتي دبابات ليوبارد على المدى القريب ـ أي ما يعادل سبعين دبابة على الأقل ـ في خطوة، يعتقد الحلفاء أنها من الممكن أن تغيير ميزان القوى في ساحة المعركة.. ومع ذلك، فإن الاستعراض العلني للوحدة بين الحلفاء، يكذب التوترات الكامنة حول الكيفية التي ينبغي لأوكرانيا أن تدير بها مواردها في الأشهر المقبلة.. وقد عكست المناقشات الصريحة في كييف الشهر الماضي، جهدًا من قبل إدارة بايدن لجعل أهداف أوكرانيا تتماشى مع ما يمكن للغرب تحمله، مع اقتراب الحرب من إكمال عامها الأول.
لعدة أشهر، أنفقت أوكرانيا موارد وقوات كبيرة للدفاع عن باخموت في منطقة دونباس الشرقية.. ويرى المحللون والمخططون العسكريون الأمريكيون أنه من غير الواقعي الدفاع عن باخموت، مع شن هجوم مضاد في الربيع، لاستعادة ما تعتبره الولايات المتحدة أرضا أكثر أهمية.. وبينما قال المسئولون الأمريكيون إنهم يحترمون أن زيلينسكي يعرف أفضل السبل لحشد بلاده، فقد أعربوا عن مخاوفهم من أنه إذا استمرت أوكرانيا في القتال في كل مكان ترسل فيه روسيا قوات، فإن ذلك سيكون من صالح موسكو، وبدلًا من ذلك، حثوا أوكرانيا على إعطاء الأولوية لتوقيت وتنفيذ الهجوم المضاد في الربيع، خصوصًا أن الولايات المتحدة وأوروبا تدربان المقاتلين الأوكرانيين على بعض الأسلحة الأكثر تعقيدًا، التي تشق طريقها إلى ساحة المعركة.
(بشكل عام، وجهة نظرنا هي أنهم يجب أن يأخذوا وقتًا كافيًا حتى يتمكنوا من الاستفادة مما قدمناه في المعدات والتدريب)، قال مسئول كبير في الإدارة الأمريكية، وإذا استولت روسيا على باخموت، فإن ذلك (لن يؤدي إلى أي تحول استراتيجي كبير في ساحة المعركة).. وبعيدًا عن باخموت، حشد زيلينسكي بلاده وراء حملة عسكرية لاستعادة كل الأراضي التي تحت سيطرة روسيا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو عام 2014.
في الشهر الماضي، أكد كبير مساعدي زيلينسكي، أندريه يرماك، أن النصر على روسيا يعني استعادة حدود أوكرانيا المعترف بها دوليًا، (بما في ذلك دونباس وشبه جزيرة القرم.. وأي شيء أقل من ذلك غير مقبول على الإطلاق)، كما قال في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس.. ومع ذلك، خلص مسئولو المخابرات الأمريكية، إلى أن استعادة شبه الجزيرة شديدة التحصين تتجاوز قدرة الجيش الأوكراني في الوقت الحالي.. وقد أثار هذا التناقض بين الأهداف والقدرات مخاوف في أوروبا من أن الصراع الأوكراني سيستمر إلى أجل غير مسمى، مما يثقل كاهل الغرب، في الوقت الذي يواجه فيه تحديات أخرى، من بينها التضخم المرتفع بشدة وعدم استقرار أسعار الطاقة.
على هذه الخلفية، يقول مساعدو بايدن إنهم يتَّبعون أفضل مسار للعمل: تمكين أوكرانيا من استعادة أكبر قدر ممكن من الأراضي في الأشهر المقبلة، قبل الجلوس مع بوتين على طاولة المفاوضات.. مستغلين في ذلك تدفق صواريخ باتريوت وقاذفات هيمارس ومجموعة من المركبات المدرعة.. وهذا ما يراه المتفائلون طريقًا لأوكرانيا، لدرء المزيد من التوغلات الروسية في الشرق الأوكراني، واستعادة الأراضي في الجنوب، وإجبار روسيا على التفاوض لإنهاء الحرب بحلول نهاية العام.. لكن المشككين يشعرون بالقلق، من أن الوقت ليس في صالح أوكرانيا، حيث ترسل روسيا مئات الآلاف من القوات الجديدة إلى ساحة المعركة، قبل هجوم الربيع المتوقع.. حتى الخبراء العسكريون المخضرمون يرون مجموعة واسعة من النتائج المحتملة في الأشهر المقبلة، مما يؤكد مدى هشاشة الوضع.
(ليس من الواضح كيف ينتهي هذا.. هل سينتهي الأمر بتسوية تفاوضية؟.. هل ستطول المدة وسنرى نسخة من الصراعات المُجمدة التي نراها في أماكن أخرى؟.. هذا سؤال مفتوح).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.