«ذا ديبلومات»: المعرفة الرقمية من المتطلبات الضرورية لبيئات العمل الحديثة
رأت مجلة "ذا ديبلومات"، المتخصصة في الشأن الآسيوي، أنه في ظل التقدم التقني والتحولات التي تطرأ على التركيبة السكانية، إلى جانب الأحداث غير المتوقعة كجائحة كورونا، لم تعد المعرفة الرقمية مجرد ميزة تنافسية فحسب، بل باتت من المتطلبات الضرورية في بيئات العمل الحديثة، لاسيما لدى دول رابطة جنوب شرق آسيا "الآسيان".
ويشير مصطلح المعرفة الرقمية إلى قدرة الفرد على استخدام المنصات الرقمية بثقة واستقلالية للتعلم والتواصل الاجتماعي والمشاركة في إعداد المحتوى الرقمي ونشره؛ ووفقًا لإحصائيات منظمة اليونيسف التابعة للأمم المتحدة، يتمتع معظم شباب دول الرابطة بمستوى متوسط من المعرفة الرقمية، مع استمرار بعض الاختلافات الملحوظة بين بعض الدول.
وأظهرت نتائج أحد استبيانات المنظمة خلال 2021 تمتع سنغافورة بأكبر مستوى من المعرفة الرقمية، حيث يقيم 62 في المائة من شبابها مستوى معرفتهم الرقمية بأنه جيد جدًا، في حين بلغت هذه النسبة في كل من لاوس وميانمار 23 و20 في المائة، على التوالي.
وطبقًا لإحدى الدراسات التي أجرتها شركة الاتصالات الرقمية الأمريكية "سيسكو" عام 2018 حول مستقبل الوظائف في منطقة الآسيان، من المتوقع أن يتم الاستغناء عما يقرب من 6.6 مليون وظيفة بحلول عام 2028 على مستوى الست دول الأقوى اقتصاديًا بالتكتل الإقليمي، وهي الفلبين وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتايلاند وفيتنام.
وتوضح الدراسة أن 41% من القوى العاملة في هذه الدول يفتقرون إلى المهارات الأساسية، بما في ذلك المهارات الرقمية، التي سيحتاجها سوق العمل في المستقبل، ما سيتطلب من العاملين الارتقاء بمستوى مهاراتهم لضمان أن تلبي مجموعة المهارات التي يتمتعون بها احتياجات سوق العمل.
وفي هذا الصدد، أكدت المجلة ضرورة سعي كل من القطاع الحكومي والقطاع الخاص في دول الرابطة لتوفير نظام بيئة عمل تتسم بالشمول، والعمل على إعادة تشكيل مهارات الموظفين والارتقاء بمهاراتهم.
ورغم الفوائد التي ستعود على أصحاب العمل من توفير التدريب اللازم للارتقاء بمهارات موظفيهم، فيما يخص الأداء والإنتاجية، سلطت المجلة الضوء على إحدى المشكلات البارزة التي تتطلب مزيدًا من الاهتمام، وهي مسألة قابلية التدريب، بمعنى قدرة الموظف على التعلم وإتقان مهارات جديدة وتطبيقها، ويقصد بالمهارات في هذه الحالة تلك المتعلقة بالمعرفة الرقمية.
وحسب المؤتمر الذي عقدته مجموعة الآسيان عام 2018 بالتعاون مع منظمة اليونيسيف حول "مهارات القرن الواحد والعشرين"، أصبحت الشركات أكثر اهتمامًا باستقطاب موظفين يسهل الارتقاء بمهاراتهم وقدراتهم إلى المستوى المطلوب، الأمر الذي أضحى ضرورة ملحة تزداد أهميتها في ظل الأزمة الحالية التي تواجه التعليم العالي بعد أن أصبحت الدرجات والمؤهلات الأكاديمية أقل أهمية من التعلم الموجه ذاتيًا.
من جانبه، أشار أماريت شارونفان، المدير التنفيذي لشركة HUBBA وTechsauce- أكبر بيئات العمل المشتركة في تايلاند- خلال المؤتمر إلى إمكانية فقدان حوالي 1.8 مليون وظيفة من الوظائف الحالية في منطقة الآسيان بسبب الذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة، وذلك حسب بعض التوقعات، مع احتمال توفير 2.3 مليون وظيفة جديدة.
وأضاف شارونفان أن هذه الوظائف الجديدة ستتطلب من العاملين اكتساب المهارات اللازمة للحصول على وظيفة والتعامل مع الذكاء الاصطناعي، فضلًا عن التمتع بقابلية التدريب للتكيف مع هذه التحولات السريعة.
ووفقا لـ"ذا ديبلومات"، فإن الدعم الحكومي لتعزيز قدرة القوى العاملة في عدد من بلدان رابطة آسيان ليس كافيا حتى الآن، وتحتاج حكومات هذه المنطقة إلى معالجة هذه القضية وجها لوجه للتأكد من أن القوى العاملة لديها ليست مجهزة فقط بأحدث المعارف في هذه البيئة المتغيرة باستمرار، ولكن أيضا من أن قواها العاملة قابلة للتدريب ومرنة وقادرة على التكيف مع التغيرات المستقبلية.
وأوضحت أن حكومات آسيان تسعى إلى توفير مجموعة متنوعة من المبادرات لمحاولة جعل قواها العاملة أكثر تنافسية في ظل الاقتصاد الرقمي، لافتة إلى أن دولا مثل سنغافورة وماليزيا تبلي بلاء حسنا في هذا المضمار ولديها بالفعل مبادرات حكومية لتحسين المهارات.
واختتمت "ذا ديبلومات" بأنه للحفاظ على قدرة رابطة آسيان على المنافسة، الآن ومستقبلا ، يتعين على الدول الأعضاء أن تضمن أنها توفر قوى عاملة ليست مدربة فحسب، وإنما قابلة للتدريب بشكل لا نهائي.