وزير الخارجية الأمريكى فى الصين.. دلالات الزيارة وعلاقتها بزيارة الرئيس الصينى لموسكو
من المقرر أن يجري وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن زيارة إلى الصين تبدأ الأحد المقبل، يلتقي خلالها الرئيس الصيني.
وأعلن البيت الأبيض، عن أن بلينكن سيزور الصين لإحياء العلاقات بين البلدين.
وتعد زيارة بلينكن هي الأولى لوزير خارجية أمريكي منذ أكتوبر 2018 عندما التقى مايك بومبيو، في إدارة دونالد ترامب، بوزير الخارجية آنذاك وانغ يي في بكين.
وتأتي زيارة بلينكن عقب يوم واحد من التصريحات الأمريكية حول وجود بالون مراقبة صيني مشتبه به تم رصده فوق المجال الجوي الأمريكي لبضعة أيام، لكن وزارة الدفاع الأمريكية قررت عدم إسقاطه بسبب مخاوف من إيذاء الناس على الأرض.
وقال مسئول دفاعي كبير لمراسلي البنتاجون، إن الولايات المتحدة لديها ثقة عالية جدًا في أنه منطاد صيني عالي الارتفاع وكان يحلق فوق مواقع حساسة لجمع المعلومات.
فما مدى أهمية تلك الزيارة وتأثيرها على العلاقات بين البلدين، وهل لها علاقة بإعلان روسيا عن زيارة الرئيس الصيني لموسكو في الربيع المقبل.
الصباغ: زيارة بلينكن للصين تتحرك على ثلاثة محاور منها الشراكة وإرسال رسائل مباشرة أو غير مباشرة إلى روسيا
وفى هذا السياق، قال الدكتور أشرف الصباغ المحلل السياسي، إن زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى بكين، قبيل زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج إلى موسكو في الربيع المقبل، تتحرك على ثلاثة محاور أساسية هى الشراكة والتنافس دون الانزلاق إلى مواجهات، ووضع الصين أمام مسئولياتها كقطب عالمي ثانٍ، وإرسال رسائل مباشرة أو غير مباشرة إلى روسيا.
وأضاف الصباغ في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن هذه الزيارة تأتي في وقت مهم من حيث توتر العلاقات بين الصين وتايوان، ومشهد الحرب الروسية الأوكرانية التي تشرف على نهاية عامها الأول بعد ثلاثة أسابيع فقط، إضافة إلى ما يتردد عن إمكانية تدهور العلاقات بين الصين والولايات المتحدة.
وأشار الصباغ إلى أنه من المتوقع أن يكون من بين أهدافها، الحفاظ على مستوى معين من العلاقات بين واشنطن وبكين وعدم إغلاق القنوات الدبلوماسية ومنع تدهور الاتصالات إلى حد يمنع تبادل الآراء والتنسيق، إضافة إلى تحذير بكين من الالتفاف حول العقوبات الغربية على روسيا، أو اتخاذ خطوات متهورة في اتجاه تايوان.
وأوضح الصباغ أن هناك أيضًا هدفًا آخر مهمًا، ألا وهو نقل رسالة ضمنية أو مباشرة إلى موسكو حول موقف واشنطن والغرب عمومًا بشأن الوجود الروسي في أوكرانيا، متابعًا "الحديث هنا لا يدور حول مفاوضات بين روسيا والولايات المتحدة، بل عن موقف غربي جماعي صارم خلال العام الثاني من تلك الحرب، وتحذير موسكو من تحركات معينة في أوكرانيا أو حولها، وهذا يعني أن واشنطن تخفض درجة موسكو الدولية، وتمنح بكين مساحة أكبر كشريك وكوسيط في آن معًا".
وأشار الصباغ إلى أن هذه الزيارة بحد ذاتها تهدف فيما تهدف إلى وضع بكين في مكانة القطب الثاني، واستعادة فكرة (G2) التي تتمحور حول تعاون الصين والولايات المتحدة كدولتين كبيرتين في بحث القضايا العالمية الكبرى الشائكة، وهذه خطوة مهمة وخطيرة من حيث تهميش روسيا، ودفعها إلى مرتبة متأخرة من حيث الشراكات العالمية، ووضعها في مكانة الدول الثالثة والرابعة التي تتحول إلى ملفات للبحث بين القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين (G2).
وأوضح الصباغ أن هناك قضايا ثنائية مهمة، مثل العقوبات الغربية على الصين في مجال التقنيات الرفيعة والرقائق الإلكترونية، وسحب بعض التوكيلات وحقوق الملكية الفكرية من الصين، وربما التلويح بفرض عقوبات إضافية في مجالات مؤثرة في الصناعات الصينية، مثل هذه القضايا والملفات تهم الصين والولايات المتحدة كقوتين كبيرتين في الوقت الراهن بعد خروج روسيا، أو بالأحرى إخراجها، من الصفوف الأولى في "التفاهمات الدولية الكبرى"، خاصة أن حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة يتجاوز الـ800 مليار دولار، ويميل لصالح الصين، بينما حجم التبادل التجاري بين الأخيرة والاتحاد الأوروبي يتراوح ما بين 750 و900 مليار دولار ويميل أيضًا لصالح الصين، مما يعني أنها أوراق مؤثرة في حال قررت بكين أن تغامر بمفردها أو مع روسيا، أو تلتف على العقوبات الغربية المفروضة على موسكو.
حلمي: زيارة بلينكن للصين تأتي لتحجيم دور بكين وهدف محوري للسياسية الخارجية للرئيس بايدن في المرحلة المقبلة
من جانبها، قالت الدكتورة نادية حلمي الخبيرة في الشئون السياسية الصينية والآسيوية، أستاذ العلوم السياسية جامعة بني سويف، تأتي زيارة بلينكن للصين بعد الإعلان الصيني الرسمي عن زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ لروسيا في إطار مواصلة الإدارة الأمريكية خلال العام الجاري استراتيجيتها لمواجهة النفوذ العسكري والاقتصادي الصيني في منطقة الإندو-باسيفيك بالمفهوم الأمريكي أو آسيا المحيط الهادئ بالمفهوم الصينى، ولتحجيم التحركات الروسية مع الصين في أعقاب الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة، فضلًا عن محاولة الأمريكان خلال تلك الزيارة لحشد المزيد من الدول الحليفة معها، للاصطفاف مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لعزل موسكو دوليًا، والبناء على الالتزامات الأمريكية تجاه الدول الحليفة عسكريًا في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لتطويق وتحجيم الدعم الصيني المقدم لموسكو، والتلويح بورقة العقوبات الاقتصادية والقيود الأخرى في حالة تقديم أي دعم صيني لموسكو، خاصة بعد إعلان مؤسسة الرئاسة الروسية الكرملين رسميًا عن زيارة صينية للرئيس "شي جين بينغ" إلى موسكو لبحث المزيد من سبل التعاون المشترك بين الجانبين، وهو بالطبع ما يثير حفيظة ومخاوف الأمريكان تجاه بكين وتقاربها مع الروس.
وأضافت حلمي في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، أن زيارة بلينكن للصين تأتي في إطار النهج الأمريكي لتبني سياسات متشددة أمريكيًا تجاه الدب الروسي عن طريق محاولة تطويقه وتحجيمه عن طريق الصين، خاصةً بعد غزو موسكو لأوكرانيا، مع تركيز استراتيجية الأمن القومي لإدارة "بايدن"، والتي صدرت في نهاية عام 2022، على أن بكين تمثل التحدي الجيوسياسى الأكبر للولايات المتحدة الأمريكية مع حليفتها الروسية، وقد سبق ذلك تأكيد من قبل وزير الخارجية الأمريكي فى خطاب له لتحديد استراتيجية الإدارة الأمريكية تجاه الصين، معتبرًا أنها الدولة الوحيدة التي يمكنها إعادة تشكيل النظام الدولي الحالي، وأنها على نحو متزايد تلجأ إلى القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية للقيام بذلك.
وأضافت حلمي أن الزيارة تأتي أيضًا من خلال تبني الإدارة الأمريكية لمجموعة من الإجراءات الاقتصادية والعسكرية الجديدة للتنافس مع الصين، وهي الإجراءات التي من شأنها تقويض العلاقات الثنائية الأمريكية الصينية، كما حدث مؤخرًا مع فرض واشنطن لقيود مشددة على مبيعات أشباه الموصلات إلى بكين، لإعاقة الجهود الصينية للمنافسة في مجال التقنيات المتقدمة.
وأشارت حلمي إلى أن هذا يأتي بالتزامن مع جهود واشنطن لتعميق التعاون الاقتصادي والشراكات العسكرية والدفاعية والأمنية مع شركاء واشنطن في منطقة الإندو-باسيفيك بالمفهوم الأمريكي أو آسيا-المحيط الهادئ بالمفهوم الصيني، وهو ما حدث بتوقيع واشنطن لاتفاقية "كواد الرباعية" مع أستراليا والهند واليابان لتقويض بكين اقتصاديًا، واتفاقية "أكوس" المثيرة للجدل دوليًا ذات الطابع الدفاعي والأمني النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا.
وأوضحت حلمي أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي للصين في الوقت الحالي، تأتي في إطار المخاوف الأمريكية بإلقاء بكين بثقلها الدبلوماسي خلال عام 2023، بعد تخليها عن العزلة النسبية التي فرضتها سياسة "صفر كوفيد"، وفوز الرئيس الصيني "شي جين بينغ" بولاية ثالثة على رأس الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، وهو ما أعطاه نفوذًا سياسيًا داخليًا، تتخوف أمريكا من تحويله لسياسات عدوانية فى الخارج، ستحولها بكين لتحركات في مناطق النفوذ الأمريكية لضرب شبكة مصالحها إقليميًا وعالميًا.
وأضافت حلمي أن زيارة بلينكن للصين تأتي كمحاولة أمريكية لتحييد الصين بالأساس تجاه ملفين يهمان واشنطن في الوقت الحالي، أهمها تحييد الصين في مواجهة دعم الرئيس الروسي في حربه ضد أوكرانيا، فضلًا عن محاولة الأمريكان تحييد الصين تجاه إيران وملفها النووي، خاصةً في ظل غياب استراتيجية بديلة للإدارة الأمريكية الحالية لاحتواء إيران بعد إخفاق الجهود الدبلوماسية الأمريكية للعودة إلى الاتفاق النووي مرة أخرى أو فرض ضغوط حقيقية تجاه طهران.
وأشارت حلمي إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية باتت في حاجة لاتباع استراتيجية شاملة لاحتواء التهديد الإيراني، وتقليص دعم طهران للميليشيات الحوثية لتعزيز الاستقرار الإقليمي، وهو ما يستلزم ضغطًا أمريكيًا تجاه الصين للضغط على طهران في إطار استراتيجية الردع الأمريكية لتقويض ومواجهة الأنشطة الإيرانية التى تزعزع الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وعدم السماح لقوى إقليمية أو خارجية بتهديد حركة حرية الملاحة في الممرات المائية بالمنطقة والخليج العربي، ولا سيما عبر مضيقي هرمز وباب المندب، مع التأكيد الأمريكي على عدم التساهل مع تهديدات إيران ضد المواطنين والجنود الأمريكيين المتواجدين في المنطقة.
ولفتت إلى أن زيارة بلينكن تأتي أيضًا في إطار التخوفات الأمريكية - الكورية الجنوبية تجاه مسألة التحدي النووي الكوري الشمالي، متزامنًا مع تلك التحذيرات التى أطلقتها العاصمة "بيونغ يانغ" عبر وسائل إعلامها الرسمية مع بداية عام 2023، بزيادة ترسانتها النووية، وتسليط الضوء على الاجتماع الموسع الذى تم بين الزعيم الكوري الشمالي "كيم جونغ أون" مع قيادات وأعضاء حزب العمال الحاكم، وتأكيد الزعيم الكورى الشمالي على وجود حاجة لزيادة القوة العسكرية لكوريا الشمالية، لتعزيز قدرات الردع والدفاع لبلاده، من خلال زيادة إنتاج أسلحة نووية تكتيكية بكميات كبيرة، وزيادة هائلة في الترسانة النووية للبلاد.
وأوضحت حلمي أن هناك تخوفًا أمريكيًا كوريًا جنوبيًا من إجراء كوريا شمالية لسلسلة تجارب نووية بالقرب من مناطق نفوذ واشنطن وحلفائها الإقليميين في منطقة الإندو-باسيفيك، وعلى رأسها دولتا كوريا الجنوبية واليابان، وهو ما ترجمته واشنطن عسكريًا بالاتفاق مع العاصمة سيول بإجراء المزيد من التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية خلال عام 2023.
وأكدت حلمي أن زيارة بلينكن تأتي في إطار محاولة الأمريكان لتحجيم برنامج كوريا الشمالية النووي والعسكري والباليستى عن طريق بكين.
وأوضحت حلمي أن هناك محاولات للرئيس الأمريكي وإدارته لإجراء المزيد من التركيز على قضايا السياسة الخارجية الأمريكية المتعلقة بالأساس تجاه الصين وروسيا، عبر التعامل مع أبرز التحديات الأمنية العالمية المعقدة أمريكيًا، والتي يواجهها الرئيس بايدن مع بداية منتصف ولايته الأولى خلال عام 2023، لتعزيز فرص فوزه أمام منافسه المرشح الجمهوري فى شهر نوفمبر 2023.
وأكدت حلمي أن زيارات المسئولين الأمريكيين للصين ولمنطقة الإندو-باسيفيك تأتى كهدف محوري للسياسة الخارجية للرئيس بايدن فى المرحلة المقبلة، والمتمثلة فى احتواء الصين، ثم من بعدها ستتحدد بقية السياسات الخارجية لواشنطن، والتى ستسعى جميعها لخدمة ذلك الهدف المركزي والجوهري لواشنطن، ولتحقيق موقع الأفضلية لأمريكا تجاه الصين عبر الانتقال لأربعة مداخل أساسية لواشنطن، تتمثل في القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي في مواجهة بكين، وقوة الديمقراطية الأمريكية نفسها ونظامها السياسي وفقًا لوجهة نظر الرئيس الأمريكي، والأهم لدى الإدارة الأمريكية الحالية هي تقوية وحيوية شبكة التحالفات الأمريكية وشراكاتها، وتأكيد القيم الأمريكية الخاصة مع حلفائها الإقليميين وشركائها الدوليين الآخرين لتقويض قوة موسكو وبكين.