الدين.. بعين الولايات المتحدة الأمريكية
سؤال سمعته من أحد المهتمين بالشئون السياسية ذات مرة: هل تعى الولايات المتحدة الأمريكية ما ترتب على سياساتها الموجهة فى المنطقة العربية.. تلك السياسات التى أدت إلى المزيد من التوتر فى المنطقة؟ وهل تتفهم التأجيج الذى ترتب على تلك السياسات لكافة التيارات الدينية والأصولية.. كنوع من رد الفعل المباشر للمواقف الأمريكية.. وما يمكن أن يترتب على ذلك فى المستقبل؟
يعتبر الملف العراقى والسورى والليبى هو نموذج عملى على فشل السياسة الأمريكية فى المنطقة العربية. فى العراق.. فتحت تلك السياسات الباب للعمل السياسى للشيعة مما تسبب فى إعطاء دور لإيران بشكل غير مباشر فى العراق، كما أوجد مناخًا ملائمًا جداً لتنظيم القاعدة سابقاً ثم داعش لاحقاً.. لكى يثبتا قواعدهما وينشرا عناصرهما على الأراضى العراقية سابقاً، ثم فى سوريا فيما بعد. وهو ما حدث بعد ذلك فى ليبيا بعد إعطاء الضوء الأخضر للناتو بضرب ليبيا عسكرياً. وحالياً طالبان ليست بعيدة عن السيناريو السابق.
هناك شكل من أشكال الإدارة غير الواعية للسياسة الأمريكية فى البلاد العربية بعد الربيع العربى الأسود.. تسبب فى رد فعل للسياسة الأمريكية.. من خلال انتشار الفكر الأصولى المتطرف بشكل ليس له مثيل على غرار التيارات المتصارعة إلى الآن على الأراضى العراقية والسورية والليبية، وفى صحوة افتراضية وهمية لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية فى مصر وفلسطين وسوريا وليبيا وتونس و....
من خلال رصد ما حدث فى المنطقة العربية.. نستطيع أن نقرأ أن ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية من سياسات ومواقف.. لم يكن فى صالح سير تطور السياسة الدولية، بل أدى إلى المزيد من التوترات الطائفية والعرقية فى المنطقة، وعدم الأمان ليس داخل نطاق حدودهم فقط، بل وللعالم كله. وذلك بعد أن تسببت تلك السياسات فى اختفاء شروط المرجعية للسياسة الدولية، واختفاء المنافسة الأيديولوجية بين الرأسمالية الغربية وكل شيء آخر.. وانفراد هذه الرأسمالية بالعالم، حيث تمت إعادة رسم خريطة العالم وفق معايير وأيديولوجيات جديدة، وتبرير ذلك بظهور عدة محاولات فكرية للتأصيل السياسى لما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية من خلال طرح فرنسيس فوكوياما، عندما قدم فكرة "نهاية التاريخ"، مبشراً بانتصار الرأسمالية والديمقراطية، وفكرة صمويل هانتنجتون عن "صدام الحضارات"، التى تنبأ فيها بأن نهاية الحرب الباردة ستؤدى إلى تجديد الصراعات الدينية والعرقية. وأصبحت الأديان الرئيسية فى العالم فى مواجهة مباشرة.. على غرار ما حدث من تصعيد بين السنة والشيعة «نموذج ما حدث فى العراق»، أو ما حدث بعد ذلك من محاولات مستميتة لتبرير إعطاء فرص حكم الإسلام السياسى للدول العربية.
نقطة ومن أول الصبر..
استخدمت الصراعات الدولية الدين، ووظفته لوعيها بأنه محرك لشعوب العالم.. وهو ما يجعلنى أثق فيما كتبته منذ عدة سنوات.. بأنه سيظل الدين هو البعد الغائب فى سير العلاقات الدولية.