أصحاب الشعر الأبيض
طلبت منى إحدى صديقاتى أن أبحث لها عن دار مسنين لوالدها الذى تخطى الثمانين.. لأنه وصل لحالة صحية لا تمكنه من الوجود وحده بالمنزل لاحتياجه لرعاية طبية واجتماعية ونفسية بشكل كاف.. وظروف الحياة ومتطلباتها لا تسمح لها أو لأختها القيام بهذا الأمر.
بحثت مع صديقتى كثيرًا، ولم ترتَح سوى لاثنتين فقط من هذه الدور بعد زيارتها لأكثر من 12 دارًا لرعاية المسنين.. لانضباط الخدمة فيهما خاصة فى مجال التمريض والرعاية والنظافة رغم تكلفتهما المرتفعة.
المفاجأة، أنه بعد كل الجهود التى بذلناها فى البحث عن دار مناسبة لظروف والد صديقتى، وبعد التغاضى عن التكلفة الشهرية المرتفعة.. فوجئنا بأنه سيتم تسجيله على قوائم الانتظار للالتحاق بالدار، والتى تجاوزت المائة اسمًا مسجلة. وللأسف لم نتمكن من إلحاقه بأى دار للمسنين إلى أن رحل بعد معاناة كبيرة.
من الواضح أن مشكلة كبار السن أصبحت واحدة من أهم التحديات التى تواجهها الأسر المصرية الآن. ولذا فكرت فى اقتراح يتم تحت رعاية وزارة التضامن الاجتماعى، بمشاركة منظمات المجتمع المدنى وجمعياته، بإعداد "كورس" تدريبى متخصص لتخريج "جليس أصحاب الشعر الأبيض".
المطلوب أولًا هو تحديد الشروط التى تنطبق على المتقدمين، بحيث يكون حاصلًا على شهادة جامعية لها علاقة بالعمل المطلوب على غرار خريجى كليات التربية والآداب "اجتماع وعلم نفس" وخدمة اجتماعية. ثم عمل تدريب متخصص على العديد من المهارات التى تساعدهم على أداء عملهم، على غرار: دراسة سيكولوجية كبار السن، ومراحل النمو، مع التركيز على مرحلة الشيخوخة، ودراسة الجوانب المرضية المصاحبة لهذه المرحلة العمرية، ودراسة اجتماعية من خلال اكتساب بعض المهارات لتعميق دور الأسرة وطرق الوقاية من الأمراض والتدريب على الإسعافات الأولية.
وعلى أن يتم إقرار آلية قانونية آمنة محددة فى سبيل أن يكون خريجو هذا التدريب تحت الإطار القانونى الذى يحفظ حقوقهم، ويحفظ أمن وأمان الأسر التى سيترددون على منازلهم. وهو ما يعنى أن هذا المشروع سيوفر فرص عمل جديدة للشباب والشابات، بما يضمن وجود عائد مادى مناسب.. فضلًا عن تقديم الرعاية المطلوبة لأصحاب الشعر الأبيض ومساعدتهم وتشجيعهم على البقاء فى منازلهم مع توفير من يقوم برعايتهم.
تأخرنا كثيرًا فى توفير مثل تلك الخدمات التى تحتاجها الغالبية العظمى من الأسر المصرية حاليًا سواء بسبب عدم وجود الأبناء والأقارب أو بسبب انشغالهم فى العمل. وأعتقد أن العديد من الأسر المصرية أصبحت تحتاج أيضًا إلى (جليس) أطفال.. خاصة فى الفترة المسائية فى ظل وجود حالة طارئة أو وجود ظرف يتطلب بقاء الأطفال وحدهم بالمنزل لعدة ساعات. وهو ما جعل القلة القليلة من الحضانات تقدم خدمة استضافة الأطفال مساءً بمقابل مادى مرتفع. وهو الأمر الذى يتكرر أيضًا مع من يحتاج إلى مرافق طبى للبقاء مع المريض لرعايته ومتابعة تقديم الدواء له فى المواعيد المحددة.
"جليس أصحاب الشعر الأبيض" أو "جليس المرضى" أو "جليس الأطفال" هى خدمات اجتماعية.. بدأ يظهر مدى الاحتياج إليها فى المجتمع المصرى.
نقطة ومن أول الصبر..
نحتاج أن تركز الحكومة المصرية على توفير سبل الراحة.. خاصة لأصحاب الشعر الأبيض.. خاصة فى وسائل المواصلات وفى أماكن تقديم الخدمات وفى دور العبادة.. بحيث تمكنهم من الذهاب إليها دون معاناة فى صعود أدوار مرتفعة أو عدم وجود أماكن راحة أو فى ارتفاع درجات وسائل المواصلات بالشكل الذى يعيق استخدامهم لها.