تذليل الأزمات بقدرة القادر
قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن، وصوت السماء يقول "إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فإن كانت عينك اليمني تغرك فاقلعها وألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقي جسدك كله في جهنم، وإن كانت يدك اليمني تعثرك فاقطعها وألقها عنك لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقي جسدك كله في جهنم.
أيضا سمعتم أنه قيل للقدماء لا تحنث بل أول لله أقسامك وأما أنا فأقول لكم لا تحلفوا أبدا لا بالسماء لأنها كرسي الله ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه ولا ببيت العبادة لأنه بيت الله ولا تحلف حتي برأسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء، بل ليكن كلامكم نعم نعم ،لا لا، وما زاد علي ذلك فهو من الشرير.
وسمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر بشر بل من لطمك علي خدك الأيمن فحول له الآخر أيضا، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضا، ومن سخرك ميلا واحدا فاذهب معه اثنين، ومن سألك فأعطه ومن أراد أن يقرض منك فلا ترده.
وسمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات فإنه يشرق شمسه علي الأشرار والصالحين ويمطر علي الأبرار والظالمين، لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم؟ أليس العشارون أيضا يفعلون هكذا؟
فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل، واحترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم وإلا فليس لكم آجر عند أبيكم الذي في السموات، فمتي صنعت صدقة فلا تصوت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يمجدوا من الناس الحق أقول لكم أنهم استوفوا أجرهم أما أنت فمتي صنعت صدقة فلا تعرف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء فالله الذي يري في الخفاء يجازيك علانية.
ومتي صليت فلا تكن كالمرائين فإنهم يحبون أن يصلوا قائمين في المجامع وفي زوايا الشوارع لكي يظهروا للناس الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم، وأما أنت فمتي صليت فادخل إلى مخدعك واغلق بابك وصل إلي أبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يري في الخفاء يجازيك علانية، وحينما تصلون لا تكررون الكلام باطلا كالأمم فإنهم يظنون أنه بكثرة كلامهم يستجاب لهم فلا تتشبهوا بهم لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه، ثم وضع نموذجا للصلاة على النحو التالي:
"أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك ليأتي ملكوتك، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك علي الأرض، خبزنا كفافنا أعطنا اليوم واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين الينا، ولا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير لأن لك الملك، والقوة والمجد إلي الأبد، فأنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم الأب من السماء زلاتكم وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر الله لكم زلاتكم.
ومتي صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين فانهم يغيرون وجوههم لكي يظهروا للناس صائمين الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم وأما أنت فمتي صمت فأغسل وجهك لكيلا تظهر للناس صائما بل لأبيك الذي في الخفاء فأبوك الذي يري في الخفاء يجازيك علانية.
لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض حيث يفسد السوس والصدأ وحيث ينقب السارقون ويسرقون بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدأ وحيث لا ينقب سارقون فيسرقون لأنه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك أيضا.
سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيرا، وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلما فإن كان النور الذي فيك ظلاما فالظلام كم يكون، لا يقدر أحد أن يخدم سيدين لأنه إما يبغض الواحد ويحب الآخر أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر. لا تقدرون أن تحبوا الله والمال.
لذلك أقول لكم لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون ولا أجسادكم بما تلبسون أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس؟ انظر إلي طيور السماء أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلي مخازن وأبوكم السماوي يقوتها ألستم انتم بالحري أفضل منها؟ ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد علي قامته ذراعا واحدة؟
ولماذا تهتمون بالملابس تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في النار يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جدا يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان؟ فلا تهتموا قائلين ماذا نأكل وماذا نشرب أو ماذا نلبس فإن هذه كلها تطلبها الأمم لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها لكن اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكن لا تهتموا بالغد لأن الغد يهتم بما لنفسه ويكفي اليوم شره، ولا تدينوا الآخرين (التكملة في المقال التالي).