أمريكا تنفذ تعليمات الصندوق!
هذا العنوان نصف هزلى ونصف جاد.. نصف واقعى ونصف خيالى.. الجاد فى الأمر أن الولايات المتحدة تجاوزت الحد الآمن للاقتراض بمبلغ يقارب واحدًا وثلاثين تريليون دولار «التريليون ألف مليار».. هذا بالمناسبة لا يعنى انهيار أمريكا، كما أن ديون أى بلد لا تعنى انهياره أو إفلاسه.. لكنه يعنى أن على أمريكا أن تنفذ إجراءات شبيهة بالتى نعرفها عندنا بـ«نصائح صندوق النقد الدولى».. لقد تزايد الدين الأمريكى مع الزمن لكنه لا يعنى أبدًا إفلاس أمريكا ولا انهيارها الاقتصادى ولكن يعنى أن عليها أن تقلل مصاريفها كما أننا فى مصر مثلًا سنقلل مصاريفنا حتى نعود للمعدلات الآمنة للإنفاق الاجتماعى.. الصحف الأمريكية قالت إن الدين الأمريكى تجاوز الحد الآمن الذى هو نسبة الدين للناتج القومى وهو حد رفعه الأمريكيون ٧٨ مرة منذ عام ١٩٦٠ وحتى الآن.. لماذا تجاوز الدين الحد الآمن؟ لأن إدارة الديمقراطيين أنفقت أكثر على مشاريع الضمان الاجتماعى والتأمين الصحى والمعاشات.. وهو شىء قريب بدرجة ما من استثمار الحكومة فى مصر فى حياة كريمة وسكن كريم وتطوير العشوائيات ودعم الفلاح والتأمين الصحى.. شىء لابد منه وإلا سينهار المجتمع... فى مصر قال الاقتصاديون إنه لابد من تخفيض الإنفاق الحكومى وعدم بدء مشروعات جديدة لها مكون دولارى وأعلنت الحكومة هذا.. البعض ادعى أن هذه نصائح من خبراء صندوق النقد الدولى الذى يتولى تدبير تمويلات دولارية لمصر.. الفكرة أن أمريكا نفسها ستنفذ نفس النصائح تقريبًا ولكن بضغط من النواب الجمهوريين.. إنهم أيضًا لهم آراء تشبه صندوق النقد.. وهى ليست سيئة ولا جيدة.. هى أفكار أكثر يمينية.. وهى تقوم على تقليل الإنفاق الاجتماعى وترك الفئات الأضعف تسبح فى بحر الحياة بمفردها.. وزارة الخزانة الأمريكية استجابت جزئيًا لطلبات الجمهوريين- التى تشبه نصائح صندوق النقد- وقللت استثماراتها فى صناديق إعانة البطالة ومزايا الصحة أو التأمين الصحى.. والسبب أنها لا تريد أن تقترض المزيد من النقود لتمويل حزم المساعدات الاجتماعية.. هل يعنى هذا أن أمريكا- بجلالة قدرها- تقترض لتمول مشاريع اجتماعية مثل حياة كريمة مثلًا؟ نعم الحكومة الأمريكية تقترض لسداد التزاماتها كما تفعل أى دولة فى العالم بما فيها مصر.. هل يمكن أن تقلل الحكومة الإنفاق لتجاوز الأزمة؟ نعم يمكن أن تتخذ الحكومة هناك وهنا وفى أى مكان إجراءات لتجاوز الأزمة.. هل يعتبر هذا إذعانًا لصندوق النقد الدولى؟ أمريكا أساسًا لا تتعامل مع صندوق النقد الدولى.. بل إنها هى شخصيًا تمول صندوق النقد الدولى.. ومع ذلك فمن الواضح أنها تنفذ روشتة تشبه روشتة الصندوق وأساسها تقليل الإنفاق الاجتماعى.. وهل تبيع أمريكا بعض «الأصول»؟ استجابة لضغوط الجمهوريين التى تشبه نصائح الصندوق؟ أمريكا ليست لديها أصول مملوكة للدولة.. ولكن الأكيد أنها ممكن أن تفعل هذا افتراضيًا ضمن إجراءات الحفاظ على نسبة الديون آمنة.. إذن ما المعنى من ذلك كله؟ المعنى أننا لا يجب أن نلتفت لمحاولات التوظيف السياسى والدعائى للإجراءات التى تتخذها مصر للتعامل مع توابع الأزمة.. والمعنى أن كل المؤشرات تقول إننا نسير فى طريق أفضل رغم قسوة الظروف.. تحرير سعر الصرف خطوة قاسية.. لكنها أدت لانتهاء السوق السوداء للدولار أولًا.. ثم لعودة الدولارات للسوق ثانيًا وهى خطوة سينتج عنها وفرة فى السلع وبالتالى استقرار فى الأسعار.. فضلًا عن توفير المكونات الأجنبية للإنتاج المحلى والذى يجد بعضه طريقه للتصدير مرة أخرى.. وهذه كلها حقائق واضحة رغم قسوة الظرف لكنها تخيف بعض طيور الظلام أو الشامتين فيحاولون تجاهلها أو قلبها أو إظهار الجزء الإيجابى فيها وكأنه سلبيات.. ولا يعنى هذا أن الحكومة بلا أخطاء فكل ابن آدم خطاء.. وأى عمل لابد أن يصحبه نسبة من الخطأ.. لكن أداء الحكومة وإدارة الرئيس السيسى بشكل عام اتسما بالنزاهة والحس الوطنى العالى والرؤية الواضحة لمشروع نهضة مصرى.. ومن مميزات إدارة الرئيس السيسى الهامة الحس الواقعى العملى والتدرج فى الإصلاح السياسى والاقتصادى أيضًا.. فمنذ سنوات كانت الحرب على الإرهاب تقتضى إجراءات معينة.. منها توسيع قاعدة الاشتباه والتوسع فى التدابير الاستثنائية.. الآن يختفى كل هذا تدريجيًا ويتم الإفراج عن المحبوسين فى قضايا سياسية تباعًا.. وتستعد مصر لبدء الحوار الوطنى.. نفس الأمر على المستوى الاقتصادى.. وقد سعدت جدًا بخبر إفراج النيابة العامة عن رجل الأعمال صفوان ثابت.. لا لشىء إلا لأن هذا يتفق مع نهج الحوار الوطنى.. مع الأخذ فى الاعتبار أن قضيته كان لها بعد سياسى واضح.. فلم تصدر النيابة العامة حكمها بحبسه إلا بعد معلومات أدلى بها محمود عزت القائم بأعمال مرشد الإخوان.. وأنا لم أطلع على تحقيقات القضية.. لكنى اهتممت بملف جماعة الإخوان سنوات طويلة وأعرف جيدًا أن المهندس صفوان ثابت هو ابن شقيقة حسن الهضيبى، المرشد الثانى للجماعة، وابن خالة مأمون الهضيبى المرشد الخامس لها وأعرف أن زوجته رحمها الله هى ابنة د. توفيق الشاوى أحد مؤسسى التنظيم الدولى للإخوان.. ومع ذلك فإن هذا كله ليس دليل براءة أو إدانة.. لكنه رد على من يقول إن قضية الرجل هدفها الاستيلاء على ما يملك.. والحقيقة أن الرجل لديه مصنع كبير ينتج منتجًا مصريًا.. وبالتالى فالإفراج عنه تحقيق لأهداف الحوار الوطنى وليس استجابة لتعليمات من هنا أو هناك كما تقول الأبواق الإرهابية.. والحقيقة أن اعتناق أفكار الإخوان ليس تهمة ولكن الانضمام للجماعة أو تمويلها تهمة وفق أحكام القانون.. فإذا كان الرجل يريد أن يتفرغ لعمله دون الانضمام لجماعة إرهابية أو تمويلها فأهلًا وسهلًا به.. وهذا ما أعلنه الرئيس منذ سنوات بالمناسبة.. وللحديث بقية بإذن الله.