هل تأخر الحوار الوطنى؟
وفق ما تفيد به الأخبار.. فإن «الحوار الوطنى» سيبدأ خلال أيام قليلة قادمة وسط اجتهادات من بعض المسئولين عنه تنفى أنهم تأخروا فى البدء فيه.. والحقيقة أن مسألة وصف نشاط ما بالبطء أو بالسرعة هى مسألة نسبية تمامًا وتعتمد على ماهية هذا النشاط، والمطلوب من المشاركين فيه إنجازه، والقضايا التى سيناقشونها أو يتناولونها فى الحوار.. ودرجة التجهيز لهذه القضايا.. بمعنى هل المراد مناقشة القضايا بعمق وبعد دراسات وافية أم بسطحية وتعجل؟ وهل المطلوب طرح أفكار جديدة وحلول إبداعية؟ أم أن المطلوب طرح ما هو مطروح وتفسير ما هو مفسر وشرح ما هو مشروح؟.. هذه كلها عوامل يجب أن نضعها فى اعتبارنا قبل أن نقول إن الحوار الوطنى تأخر أو نقول إنه بدأ مبكرًا.
لقد سألت صديقًا عزيزًا من أعضاء مجلس أمناء الحوار الوطنى عما إذا كان يعتبر أن بدء فعاليات الحوار قد تأخر فنفى ذلك.. وأشار لاعتبارات قد لا يأخذها الرأى العام فى اعتباره.. أبسطها أن أعضاء مجلس الأمناء متطوعون.. وأنهم لا يتقاضون أجرًا على هذا النشاط التطوعى، وبالتالى فهم مطالبون بالتوفيق بين وظائفهم وأنشطتهم المهنية وبين جلسات التحضير التى تحتاج تركيزًا ذهنيًا وشدًا وجذبًا وتنوعًا فى وجهات النظر.. ونقاشًا حول الأولويات.. وهذا وحده قد يستغرق وقتًا وجهدًا يجب وضعه فى الاعتبار.. ولكن ما استغرق وقتًا أكثر بحسب عضو مجلس الأمناء هو الوصول للترشيحات المناسبة للخبراء والعلماء الذين يشاركون فى المحاور الثلاثة الرئيسية «السياسى والاجتماعى والاقتصادى» واللجان المختلفة التى تتفرع عنها.. وبحسب تعبير صديقى- وهو من ممثلى المعارضة فى الحوار أو أقرب إليها- فإن من سيشاركون «ناس تفرح» على حد تعبيره الذى مضى يشرحه قائلًا «لم أكن أتخيل أن لدينا كل هذه الخبرات».. والحقيقة أننى أتفهم سر فرحته ودهشته أيضًا بوجود كل هذه الوجوه المتنوعة.. فقد اقتضت سنوات المواجهة الضارية مع الإرهاب نوعًا من التدابير آن الأوان لها أن تنتهى.. وقد كانت دعوة الرئيس لحالة الحوار الوطنى هى شارة البدء لنهايتها وللبدء فى الاستماع لأصوات أخرى غير صوت المعركة، ولإشراك قوى المجتمع الحية فى حالة الإصلاح التى بدأها الرئيس منذ تولى الحكم وواجهتها حروب شتى وظروف صعبة وأثرت عليها ظروف دولية صعبة ومتتالية.
وإذا انتقلنا من شهادة عضو مجلس الأمناء حول طبيعة التحضيرات للحوار وما تستغرقه من وقت.. فإن هناك نقطة مهمة لا بد أن نلتفت لها جميعًا.. وهى أن الحوار الوطنى ليس «لقطة» تجسدها الصور الفوتوغرافية.. وليس جلسات تعقد وتوصيات تعلن ثم ينفض السامر.. لكنه حالة مستمرة عبر قنوات مختلفة وفعاليات مستمرة أو هكذا يجب أن يكون.. ومن جهة أخرى لا يمكن أن نتغافل أن هناك ما تم إنجازه فى ملف المحبوسين فى قضايا ذات طبيعة سياسية من التيارات المدنية المختلفة، وأشهد باعتبارى متابعًا أن احتقانًا كبيرًا قد زال وأن أسماء كثيرة وكبيرة قد تم الإفراج عنها وأن الحالات المتبقية بعضها حالات معقدة.. عقد ذووها الأمر بأنفسهم.. ومع ذلك فبيانات لجنة العفو تقول إنه تم الإفراج عن ١١٠٦ محبوسين خلال تسعة أشهر «منذ أبريل الماضى» وإن نشاط اللجنة مستمر حتى يتم الانتهاء من الملف.. ويبقى الحديث عن أولويات الحوار الوطنى فهى تختلف من فرد لفرد ومن وجهة نظر لوجهة نظر، مع مراعاة أن المحاور الثلاثة للحوار «السياسى والاقتصادى والاجتماعى» ستبدأ فى وقت واحد.. ومن وجهة نظرى المتواضعة فإن الحوار حول مشاريع التطوير العمرانى يجب أن يفسح له مكان فى الحوار سواء عبر الفعاليات الرسمية حين تبدأ أو عبر جلسة استثنائية ينظمها أمين عام الحوار الوطنى ويدعو لها الخبراء.. والهدف هو إيضاح طبيعة كل مشروع.. والرد على تساؤلات الرأى العام وطمأنته.. دون تفريط أو إفراط.. فنحن لا نرضى أن يتعرض مشروع تطوير حديقة الحيوان مثلًا للتشويه إذا كان مشروعًا جادًا يحافظ على الحديقة.. ولا نرضى أيضًا أن تتم التضحية بالطابع الأثرى للحديقة لمجرد استخدام مساحتها.. والحل أن نستمع لوجهة نظر الخبير المسئول عن تطوير الحديقة والمخطط الذى ينوى العمل عليه.. وأن يناقشه خبراء فى تطوير الحدائق نقاشًا علميًا وأن ترفع نتائج الحوار للرئيس السيسى ويتم إطلاع الرأى العام على ما توصلت له بدلًا من فتح الباب للتشكيك فى كل مشروع بالحق حينًا وبالباطل أحيانًا.. وللحوار بقية غدًا بإذن الله.