التمييز فى جامعة جنوب الوادى
وقت أن دخلنا الجامعة.. لم تكن فى سوهاج وقنا أى جامعات.. كنا مجرد فرع من جامعة أسيوط العريقة.. وقتها وقبل أى انتخابات عامة أو زيارة لقيادة من القاهرة، كنا نسمع عن مطالبات الأهالى وأحلامهم فى أن تكون هناك جامعة خاصة لنا ولأبناء قنا.. لم أكن أفهم أهمية الأمر وجدواه، لكننى كنت أشعر بأنه حلم كبير لأهلى هناك، وهذا أمر فى حد ذاته كافٍ لأن نتبنى ما يريده الأهل.. مرت السنوات وتحقق الحلم.. أصبحت لسوهاج جامعة.. ولقنا أيضًا وسموها جنوب الوادى.
وأبسط ما اكتشفته فى الأمر وقتها أن من حق الناس أن تشعر بالمساواة فى وطنها.. أن تشعر بأن الجميع على مسافة واحدة من قلب وعقل الوطن الذى نسميه مصر.. وكلما قرأت خبرًا عن إنجاز ما يخص الجامعتين فرحت.. وتذكرت كيف كان الأمر مجرد حلم منذ سنوات بعيدة.. وكان الأمر يعنينى بشكل خاص.. وأتلهف لسماع أى مكالمة من أى زميل فى حرم الجامعتين.. أسأل عن الأحوال ومستوى المكان والعاملين به وأفرح لمجرد أن بعض أبناء الصعيد لم يعد يعانى مشاكل السفر والحياة بعيدًا عن الأهل مثله مثل كل الأبناء فى كل المحافظات.. الأسبوع الماضى هاتفتنى طالبة من قريتى تدرس فى جنوب الوادى.. بالتحديد فى قسم الصحافة.. فرحت لمجرد أنها ذكرت اسم المهنة التى أحب وتخيلت أنها تبحث عن فرصة للتدريب أو تسأل عن شأن صحفى، لكننى اكتشفت أن خيالى راح بعيدًا.. الطالبة التى هى فى عمر ابنى دخلت كلية الإعلام لتحقق هدفًا واحدًا.. أن تكون أستاذة.. أن تعمل بالتدريس الجامعى.. هو حلمها.. ارتداء الروب الجامعى والانضمام إلى كتيبة المقاتلين فى الحرم.. هذه هى رغبتها التى جعلتها تترك الدراسة بالقرب من بيتها وتتغرب فى محافظة أخرى.. فى العام الأول نجحت بامتياز.. جاءت الأولى على قسمها.. رنت الزغاريد فى بيتهم الريفى البسيط.. ومن يومها والأهل والجيران ينادونها الدكتورة راحت.. الدكتورة جت.. أصبح الحلم قريبًا على بعد خطوات.. والطريق واضح لا يحتاج إلى واسطة ولا غيره.. فقط الاجتهاد وتوفيق الله.. وكان أن أكملت سنواتها الثلاث على نفس المنوال.. تفوق وتميز حتى حصلت على الليسانس بنفس درجة التفوق.. هى الأولى على قسمها.. وما بينها والحلم مجرد أيام.. مرت كأنها دهر.. وكانت الصاعقة.. لن تنضم إلى الهيئة الموقرة.. لن يتم تعيينها.. ماذا حدث؟.. ما الأمر؟.. الفتاة لا تصدق أن كل شىء انتهى هكذا بقرار.. من الذى أصدره ولماذا؟.. القصة باختصار أن السادة فى الكلية التى تضم أربعة أقسام، قرروا تعيين طالبين فقط من الأقسام الأربعة.. ومن الحظ العثر أن قسم الصحافة لم يصبه الدور.. حظ.. يعنى إيه حظ؟.. قرعة يعنى.. بدا الأمر عبثيًا.. ذهبت الفتاة تسأل أساتذتها.. ولم تجد لديهم ردًا.. فقط مجرد دعوات لها بأن تجد العوض فى مكان آخر.. يعنى إيه؟.. أفهم أن تصدر القرارات لتطبق على الطلاب الجدد.. لكن أن يتم تطبيق قرار أيًا كان هو ومن أصدره على من هم فى نهاية الطريق أو منتصفه فهو ظلم بيّن.. لا أعرف إن كان هناك ترتيب لصالح طلاب بأعينهم من أبناء الأساتذة كما نسمع أم لا.. ولا أعرف حقيقة ما يقوله البعض أن القرار لتوفير النفقات.. هذه أكذوبة تضرب العدالة فى مقتل.. هذه لعبة سخيفة تضرب صميم فكرة العمل... تمييز مجرم بلا معنى.. وحتى هذه اللحظة أتمنى أن يراجع السادة فى كلية إعلام جنوب الوادى قرارهم.. وإذا أرادوا تطبيقه فليتم ذلك من بداية السنة يتم إبلاغ الطلاب المتقدمين إليها من عامهم الأول أنه لا تعيينات جديدة.. إنما العمل بنظرية حادى بادى فى حرم الجامعة، فهو فى ظنى أمر غير قانونى بالمرة.. ولا يليق.. فقد حدث منذ سنوات قريبة أن تم استبعاد الزميل عبدالسلام مبارك بنفس الطريقة فى جامعة سوهاج ولجأ للقضاء الذى أنصفه، لكن الجامعة تهربت من تنفيذ الحكم، لكنه أصر على نيل حقه وجاء من نفذ الأمر وأنصف الحق.. وأقر العدل واليوم أشاهد نجاحات الزميل الشاب فى كليته حيث يفخر به الجميع.. لا نريد تكرار حوادث مشابهة أدت إلى فواجع ونرفض هذا التمييز الذى لا نجد له مبررًا، وأتمنى أن يراجع العقلاء فى جنوب الوادى هذا القرار الذى لا نفهمه.. ليس حفاظًا على حق الطالبة شروق عبدالله وزميلها من قسم آخر.. ولكن حفاظًا على الحق والعدل والحلم.