الفاسدون يمتنعون
لا أنا ولا أنت ولا الرئيس السيسى نفسه سعداء بما يحدث فى مصر والعالم من تضخم وركود ومعاناة اقتصادية تزيد حدتها فى بعض الدول وتقل فى بعض الدول وإن عانى منها الجميع.. لكن عدم السعادة هذا لا يعنى أن نسلم آذاننا وأرواحنا لتجار الخراب وعملاء التكفير والإرهابيين والطابور الخامس والفاسدين وحلفائهم ليضيفوا لمعاناتنا المادية معاناة نفسية ولضيقنا ضيقًا ولعسرنا عسرًا.. بينما يجلس بعضهم فى قصورهم وأياديهم فى الماء البارد وأقدامهم فى مياه المحيط.. ولكنهم يلتقطون الصور لوجوههم فقط بينما تنسال عليها دموع التماسيح وهى كما نعرف جميعًا دموع كاذبة تستخدم لخداع الضحايا قبل الفتك بهم.. ويجلس بعضهم الآخر فى بيوت أوروبا وإسطنبول وغيرهما يحظون برعاية مشغليهم ومموليهم ويطلون علينا بوجوههم القبيحة ليبدوا الشماتة فى الشعب الذى لفظهم وفى الجيش الذى سحقهم مدعين أنهم ظُلموا.. حيث يدعى بعضهم حينًا أن الأحوال فى زمن الفساد كانت أفضل.. ويدعى بعضهم حينًا آخر أن الأحوال فى زمن الإرهاب كانت أفضل.. ويشهد الله أنهم هم السبب فى أى معاناة يشعر بها أبناء هذا الشعب وفى أى تدهور نخر فى عظام البلاد وحاولت الدولة الآن معالجته لأقصى قوة وبأقصى سرعة فأصابت حينًا وأخطأت حينًا مثل أى بشر.. وربما رفض الرئيس السيسى بطبيعته كمقاتل أن يعترف بأن الرتق كان قد اتسع على الراتق.. وأن ثلاثين عامًا من إهمال التنمية وسبع سنوات من الفوضى والسيولة والحرب ضد الإرهاب قد ساهمت فى زيادة المعاناة وارتفاع تكلفة الإصلاح وتآمر أصحاب المصالح الذين يرون الاستثمار مرادفًا للامتيازات الخاصة، ويرون العمل فى السوق مرادفًا للفساد ويرون المساهمة فى الاقتصاد مرادفًا للتدخل فى الحكم ويرون العمل الخاص ستارًا براقًا للاتجار فى أراضى الدولة وتجارة الآثار وغير ذلك من الممنوعات التى تكشف لنا جانب ضئيل منها عبر السنوات الثمانى الماضية وستر الله منها ما أراد له أن يستر.. فإذا تغير على هؤلاء الجو.. وجاءت حكومة ترحب أن يعملوا وفقط.. دون التورط فى شبهات الفساد والسياسة وشراء النخب الفاسدة.. تباطأوا فى العمل وهرّبوا ثرواتهم للخارج وأساءوا لسمعة البلاد هنا وهناك وخوفوا رأس المال الأجنبى من المجىء إلى مصر.. ولعل ما أسوقه هنا فيض من غيض وقليل من كثير وبعض مكشوف من كل مستور.. وأنا لا أسوقه إلا ليفهم المواطن بعض أسباب الأزمة الداخلية.. فضلًا عن أسبابها الخارجية التى نعرفها جميعًا ونعانى منها كبلاد نامية جميعًا.. إننى على استعداد للاعتراف بأنه كان لدينا بعض مظاهر الخطأ مثل التوسع فى الإنفاق.. والقتال على جميع جبهات التنمية فى وقت واحد.. والتصميم على ألا تعطلنا الحرب على الإرهاب عن سباق البناء فصرنا ندفع المليارات تكلفة الحرب فى سيناء ومئات المليارات للبناء فى المدن الجديدة ومستقبل مصر وآلاف المشاريع هنا وهناك.. ولكنى أدرك أيضًا أن الحكومة كانت مدفوعة برغبة صادقة فى اللحاق بما فات مصر خلال أربعين عامًا وبرغبة نبيلة فى أن تحتل مصر مكانتها اللائقة وسط إقليم كبر فيه الأشقاء الذين كانوا صغارًا ترعاهم مصر وتساندهم.. وازدانت مدنهم وباتت تستقطب الاستثمارات العالمية.. ولا أظن أن الرئيس وحكومته أجرموا حين حلموا بأن تنال القاهرة نصيبها من هذه الاستثمارات.. ولا أظنهم أجرموا حين وعوا أن الطريق إلى ذلك يمر عبر عمليات تطوير كبيرة كان يجب أن تحدث على مدار العقود الماضية ولم تحدث للأسف.. ولا أظنهم أجرموا حين راهنوا على أن مدينة عصرية وحديثة يجرى تطويرها بسرعة الصاروخ يمكن أن تصبح جاهزة لاستقبال الاستثمارات بحلول ٢٠٢٠.. وما حدث أن الرياح جاءت بما لا تشتهى السفن.. وأن العالم دخل فى عملية مخاض صعبة لميلاد نظام عالمى جديد.. بعد أن أثبتت القوى الكبرى فشلها وسفاهتها وانعدام أمانتها وقادت العالم من كارثة لكارثة ومن أزمة لأزمة.. وبتنا نرى فى أكبر دولة فى العالم قضايا يتهم فيها الرؤساء السابقون والحاليون تليق بحكام دولة من جمهوريات الموز التى طالما سخر منها الإعلام فى أمريكا مثلًا.. فهذا يخفى وثائق رسمية وهذا يحرض على العنف وذلك يطلب منافع من الصين وذلك متهم بالتخابر مع روسيا.. لم يكن أمامنا إزاء هذا المخاض الصعب إلا أن ننتظر وأن نصبر وأن نراجع أخطاءنا.. لأننا بشر والحكومة بشر والرئيس بشر.. وكل بشر من الوارد أن يجتهد فيخطئ ويصيب.. ولا يقلل هذا أبدًا من قدر السعى والاجتهاد ومن نبل الحلم.. إننى أبعد ما أكون عن دوائر رجال الأعمال ونظريات الليبرالية المتوحشة.. وإذا كان لى لون سياسى فإننى أعتبر نفسى من «يسار الوسط»، ومع ذلك فإننى أطالب بمزيد من إفساح المجال للقطاع الخاص فى الصناعة والسياحة والزراعة.. وأدعو الحكومة لمزيد من التعاون مع رجال الصناعة والزراعة الكبار فى مصر ما داموا لا يطالبون بامتيازات سياسية خاصة.. وإننا ممن يرون أن إدارة مشروع صناعى هى موهبة مثلًا مثل الغناء والكتابة ولعب الكرة.. لذلك فإن علينا أن نعترف بموهبة من استطاعوا إدارة صناعات كبيرة فى مصر وتحقيق أرباح منها وزيادة الصادرات من منتجاتهم.. وأطالب الدولة بأن تستعين بخبرتهم أكثر وتشجعهم على مزيد من التوسع فى الصناعة والزراعة.. وأطالب الحكومة بتقييم سريع للتقدم فى ملف السياحة لنرى هل نحن فى طريقنا فعلًًا لتحقيق ثلاثين مليار دولار من السياحة فى العام المقبل مثلًا؟ أم أن الهدف ما زال بعيدًا؟ فإذا كان الهدف ما زال بعيدًا فإن علينا أن نبحث عمن يقربنا منه.. نريد أن نعرف ما الذى تم فى ملف سياحة اليخوت؟ وهل ثمة تقدم؟ وما الذى تم فى ملف السياحة الدينية القبطية والإسلامية.. وهل ثمة تقدم؟ وما الذى تم فى ملف تدريب الذين يحتكون بالسياح على محبة السائح وحسن معاملته.. وهل ثمة تقدم؟؟ إن كل هذه الأخبار تطمئن المواطن وتجعله يشعر بأننا نسير للأمام.. فضلًا عن أنها لا بد أن تسير للأمام.. والخلاصة أن وعينا بوجود اجتهاد خاطئ هنا أو هناك ليس مبررًا لأن نسلم عقولنا للناعقين بالخراب والمقيمين فى فنادق الخارج والشامتين من لجان الفساد والمأجورين من لجان الإرهاب.. الفاسدون والإرهابيون يمتنعون.. والمخلصون أهلًا بهم.