التحالف الوطنى للخير
ينعقد صباح اليوم المؤتمر الأول لتحالف العمل الأهلى بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسى.. والتحالف يبدو من بعيد وكأنه أداة للإنجاز السريع بعيدًا عن بيروقراطية الجهاز الحكومى من جهة وعن فساد بعض أشكال العمل الخيرى من جهة.. وعن الاستخدام الإرهابى لبعض أشكال فعل الخير من جهة.. وهو بشكل ما وسيلة للإنجاز السريع وإغاثة الملهوف والمساعدة فى تحقيق أهداف الدولة فى الرعاية الاجتماعية، والتخفيف من آثار الأزمة الاقتصادية وتطوير حياة الفئات الأكثر فقرًا.. والحقيقة أن معرفة أهمية «التحالف الوطنى للعمل الأهلى» تقتضى إلقاء نظرة سريعة لواقع العمل الأهلى فى مصر الذى مر بمراحل مد وجزر وازدهار وأفول.. منذ انطلاقه فى بدايات القرن الماضى على يد الموسرين وأبناء الأسرة الحاكمة ثم تراجعه مع قيام ثورة يوليو وتصدى الدولة بنفسها لتلبية احتياجات الفئات الأكثر فقرًا ضمن مشروع وطنى واجتماعى كبير انتهى بهزيمة يونيو ورحيل الرئيس جمال عبدالناصر.. وفى السبعينيات بدأ فصل غير سعيد من تاريخ العمل الأهلى المصرى انتشرت فيه الجمعيات الدينية بشكل مريب وغير طبيعى وغير عادى وربما يمكن القول إنه سرطانى.. وكانت فى أغلبيتها الكاسحة تعتمد على تمويلات من خارج مصر لا يمكن فرز ما هو طيب فيها مما هو خبيث وما هو هادف للخير وإيتاء الزكاة مما هو هادف للسياسة وتجنيد الفقراء لخدمة تيار سياسى معين.. وشاع التنافس بين تيارين من الجمعيات.. أحدهما تابع لجماعة الإخوان الإرهابيين وثانيهما تابع لتيار سلفى أو يدعى السلفية قبلته خارج مصر وجيبه منتفخ بعملات غير مصرية.. وكان هذا التواجد السرطانى فى ريف مصر مرتبطًا بلا شك بتجنيد مئات الآلاف من المصريين لخدمة هذه التيارات الظلامية وغير العقلانية والمرتبطة بالإرهاب قلبًا وقالبًا.. وكان أنصار هذه التيارات يستغلون غياب الدولة المصرية عن أداء دورها وتراجع خدمات الصحة والتعليم والعمل الاجتماعى فى ملء الفراغ والتسلل برفق أولًا ثم بصراحة وإعلان وتبجح ثانيًا ثم فى القفز على السلطة ثالثًا باستغلال أدوات محددة لا شك أن العمل الذى روج على أنه عمل خيرى كان أحدها وأقواها وأكثرها تأثيرًا.. وعلى هامش هذا الوجود الكثيف للجماعات الظلامية فى مجال العمل الأهلى والخيرى.. ظهر نمط ثانٍ من العمل التنموى بعد سقوط الاتحاد السوفيتى وتوجيه بعض الميزانيات العربية للناشطين اليساريين بهدف تطويعهم فى منظمات المجتمع المدنى الموالية للغرب.. وهو ملف متخم بالقصص والحكايات والتفاصيل.. بعضها مشرف وبعضها ليس كذلك.. وبعضها يجوز روايته وبعضها لا يجوز روايته عملًا بمبدأ الستر.. ولكن الشاهد أن هذا العمل الأهلى لم يكن خالصًا لوجه الله ولا لوجه الشعب وكأن هذا «الفساد» كان الطرف الآخر فى كفة الميزان مع «التطرف».. تحقيقًا للثنائية الشهيرة التى عبر عنها الكاتب الراحل وحيد حامد فى فيلمه «طيور الظلام».. ولا يعنى هذا أن الصورة كانت مظلمة تمام الإظلام.. فقد شهدت سنوات بداية الألفية نوعًا من الانتعاش فى العمل الخيرى المنظم الذى تصدى لتمويله بعض كبار الأثرياء وأضفوا على جمعياته طابعًا احترافيًا شبيهًا بالطابع الذى تدار به الشركات الكبرى وساهم فى الترويج له فنانون ومشاهير ظهروا فى إعلانات تروج له على الشاشات.. فزادت حصيلة التبرعات نتيجة لحب المصريين للخير.. لكن الأمر لم يخل من تسلل عناصر فاسدة فى بعض الجمعيات وعناصر إرهابية فى جمعيات أخرى.. ولم تكن هذه هى المشكلة الوحيدة التى حلها التحالف الوطنى للعمل الأهلى ولكن كانت هناك مشكلة أخرى كبيرة وهى عدم «التشبيك» وهو مصطلح يعد من أبجديات العمل الأهلى فى العالم.. وهو مشتق من اللفظ «شبكة».. بمعنى أن كل الجمعيات التى تعمل فى مجال واحد يجب أن تكون فيما بينها شبكة كبيرة تتبادل من خلالها المعلومات والخدمات والبيانات وتنسق عملياتها على الأرض.. وقد ظل هذا العيب الخطير يقلل من حصاد العمل الأهلى الخيرى على الأرض حتى تم تأسيس التحالف الوطنى للعمل الأهلى الذى كون شبكة معلومات عملاقة عن كل الأشخاص الأولى بالرعاية فى مصر.. فمنع تكرار إرسال الإعانات لبعض الأشخاص وحرمان البعض الآخر.. ومنع عمل أكثر من جمعية فى قرية واحدة فى حين أن هناك قرى أخرى لم تزرها أى جمعية.. والمعنى أنه منع الازدواجية وقام بنوع من التنسيق والعمل الجماعى.. ودمج المنظمات والجمعيات العاملة فيه فى منظومة عمل ذات هدف ثلاثى حيث يعمل لتحقيق أهداف ومشروعات مبادرة حياة كريمة من جهة وخطة مصر ٢٠٣٠ من جهة وأهداف التنمية المستدامة من جهة ثالثة.. وهو بلا شك أداة غير تقليدية لكنه ساهم فى نشر ثقافة التطوع بين الشباب المصرى وهى ثقافة كانت غائبة عن مصر.. وكان غيابها يساهم فى إحساس بعض الشباب بالضياع أو اتجاهه للتطرف إذا كان جادًا أو للانحلال والضياع إذا كان باحثًا عن اللذة.. لكن ثقافة التطوع تقدم البديل الجاد.. وتعلم الشباب معنى خدمة الآخرين وبذل الجهد فى سبيل الآخر.. وهى ثقافة بتنا نحتاجها جميعًا.. وبالتالى لا بد من تحية التحالف الوطنى للعمل الأهلى على نشرها ولا بد من دعم هذا الكيان وحل مشكلاته وتذليل العقبات فى طريقه لأن فوائد حضوره أكثر بكثير جدًا من الحال فى حالة غيابه ومن الغبار الذى يمكن أن يثيره حوله بعض المضارين من وجوده سواء من هذا الجانب أو ذاك.