«حواديت أهل المحروسة».. شخصيات مؤثرة فى تاريخ مصر
انتهيت من قراءة كتاب «حواديت أهل المحروسة» لـ«أحمد الصايغ»، فى طبعته الأولى، الصادرة عن دار الرواق، بعدد صفحات ٢٩٧ صفحة. وصف الكاتب كتابه بأنه كتاب فى حب المحروسة وأهلها. وقد كان صادقًا لحد بعيد فى وصفه. فالكتاب عبارة عن سلسلة مقالات تتناول شخصيات عاشوا فى مصر وكان لهم تأثير محليًا أو عالميًا سواء بالسلب أو الإيجاب. منهم العالم ومنهم الأديب ومنهم الفقيه ومنهم القديس، ومنهم الخائن ومنهم الفدائى ومنهم الإعلامى ومنهم السياسى، من حقب زمنية مختلفة على مر العصور، لا رابط بينهم سوى أنهم من أهل المحروسة. يميز تلك المقالات أنها مكتوبة بأسلوب أدبى وكأنها حكاية تروى، ليست تقريرية أكاديمية مثل كتب التأريخ، فخدم هذا الأسلوب القارئ فى الاندماج مع الحكايات بمنتهى السهولة، واكتساب المعلومات التى أراد الكاتب إيصالها للمتلقى بطريقة جاذبة غير مملة، ويحتوى الكتاب على قصص وسير كل من:
إبراهيم الوردانى
غزال البر، ذلك الفدائى المطموس ذكره الذى اغتال رئيس النظار بطرس غالى باشا سنة ١٩١٠، بعد رغبة «غالى» فى تنفيذ مشروع قانون مد حق انتفاع شركة قناة السويس لأربعين عامًا فوق المدة الرسمية المتفق عليها، وعليها ضياع حق مصر فى قناة السويس للأبد، وكانت نتيجة حركته الفدائية أن تم رفض تنفيذ القانون رسميًا.
إبراهيم ناجى
الشاعر الطبيب، الذى تسبب طه حسين فى اعتزاله الشعر ثم رجوعه إليه، والذى كانت حياته فى مجملها عجيبة، لدرجة أن فرصة عمره أتت بغناء كوكب الشرق أم كلثوم قصيدته الخالدة «الأطلال»، ولكن بعد وفاته.
أحمد سعيد
ذلك الإذاعى الشهير، الذى ارتبط اسمه بيوم ٥ يونيو، يوم النكسة فى حياة المصريين، فهو من غزل الوهم عبر صوته فى المذياع، وأقنع المصريين بالانتصار وهو فى الحقيقة انكسار.
الدكتور أحمد مستجير
رائد الهندسة الوراثية والبيوتكنولوجيا فى مصر والعالم العربى، أحد العلماء العباقرة الذى لا يعرف الكثير عنه شيئًا.
السيدة آسية بنت مزاحم
زوجة فرعون، إحدى الشخصيات التى ذُكرت فى القرآن الكريم بشكل مباشر، واستعان الكاتب فى سرد قصتها بكتاب البداية والنهاية لابن كثير.
الراهب بنيامين
الراهب المناضل ضد الرومان فى القرن السابع الميلادى، وحكاية كفاحه ومساعدته عمرو بن العاص فى فتح مصر.
الشيخ جلال الدين السيوطى
الإمام والعالم الجليل صاحب تفسير الجلالين، وقصة قد لا يعرفها الكثيرون.
الدكتور جمال حمدان
عالم الجغرافيا العظيم الذى غيّر شكل علم الجغرافيا من قالبه الجامد لشكل مبسط وقولبه بإحساس أديب، وقصة حياته الحافلة إلى لحظة اغتياله المأساوية.
الدكتور حامد جوهر
عالم الأحياء المائية، الذى ارتبطنا ببرنامجه «عالم البحار»، والحاصل على العديد من الشهادات والجوائز التقديرية والأوسمة.
زينب البكرى
شخصية من الشخصيات المخجلة فى تاريخ مصر، أو ما يطلق عليها «عكس البطلة»، وعلاقتها بنابليون بونابرت والحملة الفرنسية، قصة أخرى لا يعرفها الكثيرون.
الدكتور سعيد السيد بدير
عالم الاتصالات العبقرى وابن الفنان السيد بدير، وقصة حياته وإسهاماته واختراعاته حتى الغدر به واغتياله.
سليم حسن
الأب الروحى للأثريين المصريين، أول عالم مصريات مصرى وصاحب موسوعة «مصر القديمة» الغنية عن التعريف.
الدكتورة سميرة موسى
مصرع آنسة مصرية فى أمريكا.. كان ذلك مانشيت خبر اغتيال دكتورة الذرة الملقبة بـ«ميس كورى الشرق» فى الجريدة، وعلاقة اغتيالها بالممثلة راقية إبراهيم.
وغيرهم من الشخصيات الأخرى المكتوبة بأسلوب أدبى منمق، فكل شخصية لها حكاية وحبكة رشيقة جاذبة.
راعى الكاتب ترتيب المقالات بالحروف الأبجدية لشخصياته الذين اختارهم لهذا الجزء من الكتاب، لأن الكاتب نوه عن وجود جزء ثانٍ منه، ومن الملاحظ أيضًا حرصه على تنوع شخصياته من حيث المجالات أو الجنس أو الدين أو الحقب الزمنية، كما أسلفنا القول.
الحقيقة أن الكتاب عبارة عن رحلة شيقة، نقلنا بين الكثير من الشخصيات الذين كنت أعلمهم، وبه الكثير أيضًا لم أكن سمعت عنهم، فكان له الفضل فى معرفتها، سير تلك الشخصيات مجمعة تجعل القارئ يفكر كثيرًا ويتأمل ويطرح فى رأسه ألف سؤال، خصوصًا قصص العلماء وطريقة تعامل الدولة فى الفترات الماضية معهم، ومحل إعراب اغتيالاتهم، رغم أنهم أفنوا حياتهم فى حب البلد وضحوا بحياتهم لأنهم رفضوا أن يؤخذ عصارة فكرهم لغير بلدهم، وكان المقابل تخليًا وخذلانًا.
أسلوب الكاتب فى كتابة سير شخصياته هو أسلوب أديب يملك زمام قلمه، فكل مقالة هى قصة منفصلة لها مقدمتها الجاذبة، فلا يدعوك للملل، ويجبرك ألا تترك كتابه حتى تفرغ منه محملًا بالكثير من المعلومات والكثير من الأسئلة. ولكن كان ينقص الكتاب وضع المصادر التى حصل منها الكاتب على معلوماته لزيادة المصداقية.