الغنوشى رجل مخابرات.. صناعة بريطانية
بالرغم من أن قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد، في 25 يوليو من العام الماضي، منعطف حاسم في تاريخ تونس المعاصر، ووضعت حداً لتمدّد حركة النهضة الإخوانية، منذ فوزها في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011، حيث سيطرت على مقاليد الحكم، وباتت تعتبر نفسها العمود الفقري للحياة السياسية في تونس، وتحكمت في مفاصل المشهد السياسي، عبر الدستور الجديد الذي أفرز نظامًا سياسيًا وانتخابيًا، لاقى انتقادات كبيرة، منها تشتيت السلطة التنفيذية بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، إلا أن الانتخابات البرلمانية الحالية تجرى وسط أجواء هادئة.
وذهبت فيها حركة النهضة الإخوانية إلى استعداء الشعب التونسي على المسار الذي رسمه الرئيس، ودعت الناخبين إلى مقاطعة صناديق الاقتراع، بما يطرح أمامنا سؤالًا مهمًا، حول مستقبل الإسلام السياسي وحركة النهضة في ظل الأوضاع الراهنة، ومدى قدرة الرئيس التونسي على الاستجابة للمطالب الشعبية الواسعة، والخروج بالبلاد من أزمتها العاصفة، وهل ستثبت التجربة، أن (النهضة) غول من ورق، تنتهي بمجرّد أن تُرفع عنها أيادي الدعم المادي، والتحريض الفكري من الخارج، ويتأكد العامة من أنهاـ أي النهضةـ والإسلام السياسي نوع جديد من الاستعمار؟
راشد الغنوشي الرجل الذي صنعته المخابرات البريطانية انتهى، ويدرك أنّ حركته لن تعود إلى الحياة السياسية، بعد أن باتت شعارات أنّ الإسلام في خطر، زمن حكم الرئيس الراحل بن علي، وترفع نفس هذا الشعار اليوم، مع إضافة بعض التغييرات والألوان حول مضمونها، بتذويقها بمخاوفها على حرية الإعلام وحرية الأحزاب.. إلى أن أصبح الحديث عن الخطر الذي يحدق بالديمقراطية مثل، الكذبة الكبرى، لأنّه لا توجد ديمقراطية عاشها التونسيون من قبل، ولا يمكن الرجوع لفترة ما قبل 25 يوليو، مع الدعوة إلى التدخل الخارجي.
فيما يُعد تشويها مفضوحا لسمعة البلاد وخيانة للوطن لذلك فهو لم يرض، ولا حركته، بالقرار التاريخي الذي اتخذه الرئيس التونسي بإرادة شعبية واسعة، واستجابة لمطالب الشعب التونسي، واتخذ المسار التونسي بعدها وجهتين؛ وجهة أولى، كان انتظار التونسيين الكثير من القرارات التي أعلنها سعيد، والتي قلبت حياة بعض السياسيين رأسًا على عقب، وكما أحدثت تغيرات كبيرة في المشهد السياسي، عبر إعادة النظر في كل ملفات الفساد بعد العشرية السوداء.. وارتبطت الوجهة الثانية بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما طرحه الرئيس التونسي في الحوار الوطني بمشاركة الشباب، والذي شمل ثلاثة محاور رئيسية، هي البرنامج التنموي والقانون الانتخابي والنظام السياسي في تونس، وكانت فيه الكلمة الفصل للشباب التونسي في أغلب جهات البلاد ومحافظتها، وهو ما عُد نقلة نوعية في الحياة السياسية هناك.
مثلما خرج المصريون في الثلاثين من يونيو وأسقطوا إخوان مصر، وكذلك أسقطهم المغاربة في الانتخابات البرلمانية، خرج الشعب التونسي للشوارع، مطالبًا بإسقاط نظام النهضة الهجين، بسبب الوعود الجوفاء التي أطلقتها الحركة، طوال العشر سنوات السوداء التي حكمت فيها البلاد، وأثبتت الأيام حجم ملفات الفساد الذي عرفته البلاد طيلة فترة حكمها.. هذه الحركة الأصولية الرجعية، تروج أن تونس لا يمكنها الاستمرار، دون ضلوع النهضة في المشهد السياسي في البلاد.
فكيف للرجعية أن تقود دولة وأن تحقق الديمقراطية؟، خصوصاً أنّ التاريخ يؤكد عكس ذلك، ليس في تونس وحدها، بل في كل البلاد التي ابتليت بهم.. لا يمكن معهم أن تتحقق الديمقراطية، فهم رجعيون، والرئيس التونسي يعاملهم بالقانون، حتى لا يتم الحديث عن أن حرية التعبير والديمقراطية في خطر.. ومثلما حدث في مصر، لاحظنا بعد 25 يوليو، وهي أشد الفترات دقة وحساسية، كان الإخوان يخرجون إلى الشوارع التونسية، ينددون ويزعمون أن ما حدث يُعد انقلابًا، وراحوا يهددون ويدفعون الأموال الطائلة للإعلام في أمريكا وأوروبا، لتشويه سمعة الرئيس وصورة تونس، مع أنهم شوّهوا صورة تونس أكثر من صورة الرئيس.
تونس بعد هذا اليوم التاريخي، صارت قادرة على النجاح دون حركة النهضة، وهو ما دعاهم لطلب التدخل الخارجي، ولكن برغم دقة هذه المرة وحساسيتها، فإنّ الرئيس التونسي نجح في الخروج بالبلاد إلى بر الأمان دون هذه الحركة التي لم تراهن على الشعب التونسي بل راهنت على التدخل الخارجي، وهذا ليس بجديد عليها، حيث كانت تتخذ الأسلوب نفسه في سياستها منذ زمن بن علي، ولكن باءت جميع محاولاتهم بالفشل.. هذه المجموعات الرجعية حين تُسحب منهم السلطة يلجأون للخارج، فالسلطة عندهم تساوي كل شيء، وإن سُحبت منهم يصبحون أعداءً للوطن، ويتخذون من العنف سبيلًا، بعد سنوات عشر سوداء، فشلت فيها في إدارة الحكم.. وتواترت المعلومات حول تهريب الأسلحة التي تم ضبطها، وتفكيك العديد من الشبكات والمخابئ، ولو يعلم التونسيون حجم الأسلحة التي تمت مصادرتها لما عرفوا الراحة.
لقد دأبت حركة النهضة على تجنيد الشباب وإرسالهم إلى بؤر التوتر، وأصبحت تونس ـ زمن حكمها ـ أول دولة تُصدّر الإرهاب، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والعجز التجاري وارتفاع نسبة المديونية، وتزوير شهادات التعليم وتمكين مجموعاتها وأنصارها من مواقع ومناصب في مفاصل الدولة، فضلًا عن ضربهم الممنهج قطاع التعليم، وتردي الخدمات الصحية، حتى باتت الخسائر البشرية أكثر بكثير مما قد تُخلّفه حرب بالأسلحة، ناهيك عن ارتفاع معدلات الهجرة وعلى رأسها العقول العلمية. دون أن ننسى أنّ البرلمان كان أشبه بسيرك سياسي، إلى جانب تكوين عداوات مجانية مع دول شقيقة على المستوى الدبلوماسي، فضلًا عن عديد من الاستفهامات حول الانتخابات والقانون الانتخابي.. مرحلة سوداء دون إنجازات، نكتشف فيها اليوم ملفات فساد تبييض أموال وصفقات شراء أسلحة، حتى أصبحت منطقة الجنوب التونسي أكبر مخزن للإقليم.
ومثلما هدد خيرت الشاطر مصر، جاءت خطابات النهضة المملوءة بالتهديدات، من قبيل أنّ (لديهم من الشباب من يأكل الأخضر واليابس)، كانوا يعلمون أنّ لديهم الكثير من الأسلحة، والخلايا النائمة، ولكن الجيش والأمن التونسيين كانا يقظين، وعلى أتم الاستعداد للقضاء عليها أحيانًا في عمليات استباقية وأحياناً خلال هدمات أو بعدها، وهو ما يؤكد حجم الاستعداد والتعاون القوي بين الاستخبارات العسكرية والاستخبارات الأمنية لإلقاء القبض على هذه الجماعات التي كانت تحاول تهريب الأسلحة والأموال.
خسارة الحركة للانتخابات البلدية عام 2018، كانت تشير إلى أنّ خزانها الانتخابي بدأ يتآكل وينفد، فيما تلقت ضربة عاصفة في انتخابات 2019 التشريعية والرئاسية، فبرغم أنّها ساهمت في تشتيت أحزاب وتحالفات برمتها، إلا أنّها حققت فوزًا بطعم الهزيمة، باعتبار أنّها لم تفز ببرلمان قوي رغم أغلبيتها، وبما يضمن لها تمرير حكومة الحبيب الجملي التي اختارتها، فكانت الضربة الموجعة، ودفعت زعيم الحركة راشد الغنوشي لزيارة تركيا لاستعطاف رجب طيب أردوغان.. لكن الخسائر توالت إلى اليوم، بعدما قفز الكل من مركب النهضة، بطريقته، قبل غرق السفينة، واتهام الغنوشي بأنّه سبب الداء، تبعته استقالات لأكثر من 130 قياديًا عن التنظيم، وتوجههم نحو تكوين حزب آخر، وانشقاقات كبرى بين الموالين وأهل البيت، الذين هم أقارب للغنوشي.. وأخيرًا.. هل يمكن القول إنّ نهاية حركة النهضة، هو نتيجة لما يعيشه الإسلام السياسي إقليميًا؟
الإجابة بكل وضوح، نعم.. ما حدث في تونس يوم 25 يوليو، يمكن ربطه بالوضع الإقليمي.. فضربة السودان ليست هينة، وكذلك الإطاحة بعمر البشير، عرّاب الإخوان، والذي بقي في الحكم ثلاثين عامًا، دمر خلاها السودان ليخرج الشعب وينهيه، هذا طبعاً له تداعياته على تونس، كذلك ما يحدث في ليبيا، أو ما حدث في مصر، حيث تم كسر شوكة الإخوان على أسوار القاهرة، ونحن نعرف أنّه من القاهرة بدأت حملة التصدي لمشاريع الإخوان، حيث تم اقتلاعهم من منبتهم الأصلي، وبالتالي كيف للفروع أن تصمد؟.. إذاً، التحولات الجيوسياسية في الإقليم كانت لها تأثير على انتهاء ورقة الإخوان وإنهاكه كتنظيم أتت به المخابرات الأمريكية والبريطانية، وحتى وقفاتهم اليوم مع هذا التنظيم محتشمة، لأنّ الأوضاع قد تغيرت والشعوب قد تحررت، وحتى القيادات في هذه الدول أصبحت لا تخشى التدخلات الخارجية، عكس الماضي، حيث كان بعض الحكام يعملون تحت إمرة هذه الأجهزة..
وللحديث عن الغنوشي بقية.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.