عرض «جوّه الصندوق» عمل للطفل «برّه الصندوق»
حين تنتهى من عرض لمسرح الطفل استمتعت به كثيرًا واستمتعت بمواهب إبداعية تنبئ بمستقبل فى التمثيل والغناء والاستعراض.. ثم تعرف عقب انتهاء العرض أن الأطفال الذين شاهدتهم هم من الفئات الأكثر عرضة للمخاطر، وأنهم جميعًا تعرضوا لصدمات كبيرة أو لعنف أسرى أو لتحولات اجتماعية هزت ثقتهم فى أنفسهم وسببت لهم بعض المشاكل فى النطق والحركة والتعبير عن الذات.. لكنهم عبر الفن انتصروا على تلك الأزمات ووقفوا على خشبة المسرح كأبطال يشخصون أدوارهم بثقة ويفجرون الضحكات والمتعة لدى المتفرجين فى العرض المسرحى «جوّه الصندوق».
«جوّه الصندوق» هو عرض مسرحى قدم كأحد نتاجات برنامج تمكين الأسرة التابع للهيئة الدولية لقرى الأطفال SOS التى تعمل مع عدد من الشركاء لتمكين الأطفال فى القرى والمناطق الشعبية من الفئات الأكثر احتياجًا والأكثر عرضة للخطر، ويعمل البرنامج على استيفاء احتياجات الأطفال وأسرهم الاقتصادية والاجتماعية، وعلى تقديم الدعم النفسى لكل الحالات وتوفير سبل الرعاية بما فيها الرعاية الطبية، كما يعمل البرنامج على تدريب الجمعيات الشريكة ورفع مهاراتها المؤسسية وتمكينهم من القيام بدورهم فى التنشئة الاجتماعية والتنمية عبر الفن.
وقد سألت الأستاذة منال بدر، المسئولة بالبرنامج، والتى أخبرتنى بأنها بدأت بالعمل على التنمية عبر الفن من فترة بعيدة وحين التقت بالمخرج مصطفى حزين مخرج عرض «برّه الصندوق» فكرا فى تأسيس فرقة مسرح ووضعا منهجًا عملا عليه سويًا، وتدرب وفقًا له الأطفال منذ ٢٠١٢ حتى أصبح لديهم جيلان من الأطفال ممن تعرضوا لظروف شديدة القسوة وصاروا أمام خيار صعب، لأن الجيل الأول للفرقة تجاوز عمره حدود الفئة المستهدفة من البرنامج، لكنهم ما زالوا متمسكين بالتواجد والحضور معنا ونبحث إمكانية إيجاد دعم حتى لا يفارقوا الفريق.
عرض «جوّه الصندوق» عن قصة ليعقوب الشارونى، عمل على إعدادها وإخراجها مع الأطفال الفنان مصطفى حزين، ويناقش العرض الجهل وآثاره على أهل مدينة يؤمنون بالدجل ويرفضون الذهاب للطبيب، ويزوجون بناتهم فى عمر مبكر وذلك من خلال بائع مناديل تقنعه زوجته بالعمل كدجال بغرض الكسب المادى، ويصادف أن يقدم نبوءات للملكة والملك تصدق فيحظى بالشهرة والمال، لكنه يرفض فى نهاية العرض أن يكمل تلك المسيرة ويواجه أهل القرية بحقيقته ويفضح جهلهم. قدم العرض فى إطار كوميدى مستخدمًا الألوان الزاهية والغناء والاستعراضات كعناصر تشويق وآليات لاستعراض مهارات الأطفال المختلفة. كما استعان بتقنية درامية «المسرح داخل المسرح» حيث يبدأ العرض بالجيل الأكبر الذى سيقدم آخر ليلة عرض له يعبر عن حزنه وغضبه من أن جيل الأطفال الأحدث سيأخذ مكانه، لكن ينتهى العرض وهم يسلمونهم المسيرة ويتمنون أن تتوفر لهم فرصة أخرى حتى لا يغادروا المسرح. كان عرض «جوّه الصندوق» شاهدًا على قدرة الفن والمسرح السحرية على الاستشفاء وتحقيق الاندماج الاجتماعى.. لقد أدركوا ذواتهم وأعادوا تثمين إنسانيتهم.. بالتأكيد لم يكن الأمر سهلًا وتطلب عملًا شاقًا من المدربين والمشرفين على هذا العمل، لذا أتوجه بالتحية لمدرب المسرح والمعد والمخرج مصطفى حزين الذى أعده من أفضل مخرجى مسرح الطفل والأمهر فى التعامل مع الأطفال نظرًا لخلفيته التربوية كمعلم، ولجميع المشاركين بالعمل ومنهم: تدريب كورال وموسيقى نائل عفيفى، تصميم حركة نيرمين حبيب، وتحية لكل بطل من الأطفال الذين عاينت جمالهم وطاقتهم وإرادتهم القوية.. وأقول لهم أنتم تستحقون كل جمال هذا العالم ولربما تتاح لكم الفرصة لأن تقدموا عرضكم فى أهم المسارح ذات يوم إذا تحليتم بتلك الإرادة، وأتمنى أن تجدوا الدعم اللازم لعرضكم وألا يضطر أى منكم أن يغادر المسرح الذى أحبه ومنحه الطاقة السحرية للانتصار على قسوة عالمه.