مكتباتنا العامة
أجيالنا، والأجيال التي بعدنا، تلقت ثقافتها الأولى في المكتبات العامة، وكان أمناء المكتبات في تلك الفترة يرحبون بنا هواة للقراءة، ويقدمون لكل منا ما يناسبه من اهتمامات، وإليهم يرجع الفضل، لأننا عرفنا اتجاهاتنا الأدبية، وبعضنا اتجه إلى الناحية العلمية.
رافد ثقافي محترم، تعلمنا منه الكثير مع بداية حياتنا التعليمية، وساهمت إلى حد كبير في تكوين أجيال من المبدعين.
من بين أهداف المكتبات العامة المنتشرة في مدن الجمهورية تقديم الثقافات والخبرات المستوحاة من جميع العصور والأماكن في كتب ومراجع ذات صلة، وتسعى المكتبات لتقديم الكتب ومصادر المعلومات على اختلاف أنواعها لروادها والباحثين بشكل عام، وتلبى حاجة الفرد وتشبع رغباته في الحصول على المعرفة من خلال مطالعة الكتب واستعارتها.
الآن، ومع العبث في مقدرات ونظم التعليم في كل المراحل، ومع بداية الأزمة الاقتصادية في مصر، منذ السبعينيات، تضاءل الاهتمام بالمرافق التعليمية ومنها المكتبات. فقد تردي حال المكتبات في الأقاليم إلى درجة يصعب تداركها. فعلي سبيل المثال كانت في مدينتنا في وسط الصعيد مكتبتان عامتان..
إحداهما تابعة لقصر الثقافة الذي أغلق منذ أكثر من خمس سنوات، وتحول المكان الذي كان يشغله إلى مقهى، وتم إنشاء قصر ثقافة الطفل وتم تزويده بمكتبة بسيطة لثقافة الطفل، بدلا منه، المكتبة الأولى كانت عامرة بالكتب، فيها مجموعات من أمهات الكتب على رأسها الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، وكتب الجاحظ وبعض روائع الأدب العربي الحديث، ومجموعات هائلة من الروايات من عيون الأدب العالمي، بالإضافة إلى الكتب التاريخية وكتب أدب الرحلات، وركن كامل للأطفال، ومع انتقال المكتبة من مكان إلى آخر، تشتتت كتبها.
المشكلة لا تقف عند وزارة الثقافة وحدها، بل هناك جهات أخرى أخذت على عاتقها إهدار تلك الثروة القومية، ومنها وزارات المالية والحكم المحلي والمحافظات المعنية ومجالس المدن.
أما المكتبة الثانية فهي تابعة لمجلس المدينة، وفيها مجموعة ضخمة من الكتب العربية والمعاجم وكتب الرحلات ومجموعة نادرة من الكتب وعدد من المخطوطات، تلك المكتبة كانت مزدحمة بالرواد من جميع الأعمار، وكان بمثابة جامعة تعلمنا فيها، وتدخلت البيروقراطية وعدم الاهتمام مما جعل مصير تلك المكتبة مماثلا لمصير مكتبة قصر الثقافة، وأصبحت رهينة الحبس في الكراتين والصناديق في غرفة ضيقة بالجمعية الخيرية الإسلامية، ونسي الجميع أنه كانت فيها مكتبة، وأخشى أن تكون قد تبددت كتبها، وشملها الضياع والتلف، وهي كتب لا تقدر بثمن.. الحق أننا حاولنا مرارا كأعضاء نادي الأدب مع رؤساء المدن المتعاقبين لأجل أن يهتموا بكتب تلك المكتبات، ولكن دون جدوى، فرؤساء المدن تشغلهم النظافة وإزالة مخلفات البناء وتجميل المدن بالتراب والزبالة، كما قابلنا السادة أعضاء المجالس المحلية، ولم تزد المقابلة على المجاملات، والوعد بالخير، وعرفنا أنه للأسف لا توجد أمانة ثقافية لتلك المجالس بالمعني المفهوم، ولكنها اللجنة الإعلامية والتي لا يشغلها وقتها إلا الظهور في قناة الصعيد وإذاعة الصعيد فقط، وهذا أمر أغفله قانون المجالس المحلية.. وفي لقاء لنا مع محافظ أسيوط قبل ثورة يناير، ناشدناه أن يرفع الحجز عن مكتبة البلدية، وإعادتها إلى رفوفها ليستفيد منها القراء والمثقفون، غير أن الرجل كانت له مهام أخرى كرس نفسه لها، لم تكن الثقافة من بينها.. وليته أفلح في مهامه الأخرى.
من خلال صفحتي أناشد الدكتورة وزيرة الثقافة، ونحن نعلم حرصها على النهوض بالثقافة، أن تقوم بزيادة المخصصات المخصصة لتدعيم مكتبة قصر الثقافة بمزيد من الكتب التي تنشرها الوزارة بهيئاتها المختلفة، من المجلس القومي للترجمة، والمجلس الأعلى للثقافة، والهيئة العامة للكتاب ودار الكتب والهيئة العامة لقصور الثقافة، كما نناشد محافظ أسيوط الحالي، ولن يبخل علي مدن المحافظة العريقة وعموم المثقفين فيها بإحياء مكتبة البلدية، وتخصيص مكان لها في مجلس المدينة القديم أو مركز الشرطة القديم، وفك قيود الكتب المكدسة في الجمعية الخيرية الإسلامية إن كانت لا تزال باقية، ليتمكن الجمهور من الاستفادة، خصوصا أن بديروط أعدادا كثيرة من المثقفين الذين يسعدهم قرار المحافظ لو تم، وإننا كمجموعة من المثقفين في ديروط مستعدون للمساهمة بالجهود الذاتية والمالية لتدعيم تلك المكتبات.