«عشق لوكا».. العجوز الذى انتصر على كبرياء البرغوث والدون
سواء كنت مدريديًا أو برشلونيًا، مشجعًا للمنتخب أو الفريق الذى يلعب له، أو ضده، أيًا كانت انتماءاتك وألوانك وأوطانك، ستكون محبًا لقائد منتخب كرواتيا الأسطورة لوكا مودريتش.
كثيرون حول ليونيل ميسى، وهم بالملايين، ومثلهم حول كريستيانو رونالدو، لكن نجمًا واحدًا فقط لا يختلف على احترامه وتقديره أى مشجع من أى جنسية، هو الأسطورة الكرواتية ونجم ريال مدريد الإسبانى لوكا مودريتش، الذى يحظى بالرصيد الأكبر من المشاعر الجميلة فى مونديال الدوحة، ويلقى تشجيعًا وتقديرًا لم ينله خلال مشوار البطولة سوى رونالدو وميسى.
منحه الله قبولًا يشعر به أى شخص يراه أو يلتقيه، وزاده تواضعًا تتيقن منه من كل تصرفاته داخل وخارج الملعب. قال عنه ليونيل سكالونى، المدير الفنى لمنتخب الأرجنتين، قبل المباراة التى جمعتهما، أمس الأول، إنه قدوة نحتذى بها، ونتعلم من سلوكياته داخل وخارج الملعب.
عمره قارب الـ٣٨ عامًا، لعب المونديال كاملًا، ومع ذلك يقول كارلو أنشيلوتى، مدربه فى ريال مدريد: «لن أريحه، حينما يعود لوكا من المونديال سيلعب فى كل مباراة وكل شوط وكل دقيقة، سأستفيد منه فى كل لحظة، ولن أتركه أبدًا».
هو مثال للإخلاص والتفانى فى العمل، ونموذج لكيفية تطوير الموهبة والحفاظ عليها حتى اللحظة الأخيرة، ومنهاج للتطور الدائم وعدم الوقوف بسبب عقبات أو مطبات مهما بلغت المصاعب وقوة المنافسين.
مهما تبدل حوله النجوم، غابت أسماء وجاءت أخرى، منافسون أقرباء وتاريخيون اعتزلوا وحضر مكانهم صفقات بالملايين ومواهب استثنائية، وما زال لوكا يكتب بمفرده التفوق على نفسه قبل التفوق على الجميع.
ستقرأ مرات كثيرة منح فيها لاعب الوسط الكرواتى ريال مدريد الانتصارات والبطولات، فعل ذلك بينما يلعب إلى جواره أعظم أساطير العصر الحديث فى الهجوم والقوى التهديفية، لكنه و«لا مرة» احتاجه فريقه وخيّب الظن. تقول إن مدريد لن يحضر اليوم، المنافس صعب ومتقدم، ومتحكم فى كل شىء، ثم يأتيك من بعيد رجل أحيا كرة ميتة وبعمل فردى استثنائى آمن بنفسه وتقدم قبل أن يضع المهاجم فى موقف مثالى للتسجيل إن لم يسجل بنفسه، فيعيدك لمباراة كانت ميتة ويمنحك انتصارًا صعبًا، وتجد نفسك بنهاية الموسم بطلًا متوجًا بفضله.
هكذا عرف كيف يكون قائدًا، يزيل العقبات، ويرسم المسارات إلى تحقيق الانتصارات والألقاب، وإن لم يكن سببًا مباشرًا فى ذلك، فتأكد أن دوره القيادى فاعل ومهم للغاية، وليس ثانويًا مثل البقية.
حارس كرواتيا ليفاكوفيتش هو رجل كرواتيا الأول فى مونديال ٢٠٢٢، وبفضل تصديه لركلات الترجيح أمام اليابان والبرازيل، وصل المنتخب إلى الأدوار الأخيرة، ومع ذلك سيبقى أثر مودريتش فى تطوره واضحًا ومعلومًا للجميع، وإن لم يبدُ كاملًا لنا.
موقع الاتحاد الدولى لكرة القدم «فيفا» نشر مقطع فيديو لمودريتش وهو يخاطب الحارس ذات مرة، قائلًا: «لن أخبرك بهذا إذا لم أهتم لأمرك، لكننى أرى أنك لا تتطور، ربما يكون الضغط الذى تشعر به، ربما لا».
وأضاف: «ثقتك بنفسك مهتزة، وهذا يؤثر على الفريق، هل تفهم؟ هذا ما أتحدث عنه».
وتابع: «لماذا لا يمكنك أن تُخطئ؟ الجميع يرتكبون الأخطاء. أشعر بأن مشكلتك هى أنك تخشى ارتكاب خطأ، من لا يرتكب خطأ؟ من فضلك قم بتسمية لاعب واحد لا يُخطئ مطلقًا». وأكد: «لم أصل إلى هنا لأننى خائف، الخوف فقط يزيد الأمور سوءًا، أنت حارس مرمى عظيم وتعرف ذلك، أليس كذلك؟».
كان لهذه الكلمات وغيرها مما دار فى الغرف المغلقة فضل كبير فى تطور الحارس الكرواتى، الذى لعب دورًا محوريًا فيما قدمته بلاده، ليس ليفاكوفيتش فحسب، بل غيره من اللاعبين، بالإضافة إلى الشخصية البطولية التى أضفاها لوكا داخل الفريق. كرواتيا الذى كان بلا أى هجمة أو خطر أمام البرازيل حينما استقبل الهدف فى الأشواط الإضافية كان له رد فعل غير عادى، الوقوف ثانية بعد الصدمة من أصعب الأشياء التى قد تقابلك فى حياتك، لكن مع لوكا كان الأمر مختلفًا. قائد يزرع الثقة بأنفس الرفاق، يعين المتراجع، وينصح المنقوص، ويكمل النواقص، وفى كل مكان وبأى وقت تجده عونًا للزملاء وسلاحًا يخشاه ويرتعش منه الخصوم.
يجعلك تتساءل: كيف لرجل فى هذه السن المتقدمة يعود ليدافع، وينطلق بالكرة للهجوم، يقترب من الأطراف ويقتحم من العمق، ينظم اللعب ويقود عملية الضغط؟، لكنه فى نهاية الأمر حالة فريدة من نوعها تستحق التأمل والدراسة، ويكفى أنه قاد بلدًا تعداده أقل من ٥ ملايين نسمة، للوصول إلى المحطات الأخيرة فى المونديال مرتين متتاليتين.