دور الدراما فى التسويق لمصر
على صفحته الشخصية نقل الناقد مصطفى الكيلاني رأيًا هامًا عن ضيفة تزور مصر لأول مرة.. أهمية رأى الضيفة أنها ناقدة فنية وأن ما قالته مرتبط بمجال عملها وهو صناعة الدراما.. اصطحب الصحفى المصرى ضيفته لزيارة معالم مصر المختلفة فقالت له لماذا تخفى الدراما المصرية كل هذا الجمال؟.. ولماذا لا نرى فى الدراما المصرية سوى العنف والعشوائيات والمجرمين؟! سؤال الناقدة غير المصرية مشروع جدًا.. ومنطقى.. وهى محقة فيه بلا شك.. وقد التقطت عينها المفارقة لأنها ما زالت لم تفقد الدهشة.. اتهام الفن بنقل صورة سلبية عن مصر كان يتردد منذ الثمانينيات.. لكنه كان غالبًا يلقى على صناع السينما الواقعية الجادة.. الآن الأمر مختلف.. العشوائيات والحارة الشعبية وحياة أبناء البلد يتم تعليبها فى أعمال تجارية رخيصة.. ظهر نوع من الدراما يمكن أن نسميه دراما «السرسجية» وهو مصطلح يشير لنمط من الناس يجمع بين الجهل والوقاحة والطابع الإجرامى والعدوانية والرغبة فى تقليد صيحات الموضة التى يراها عبر الإنترنت.. بالغت بعض الشركات والقنوات الخاصة فى تقديم هذا النوع بحثًا عن الرواج أو المكسب أو تثبيت صورة ذهنية معينة عن مصر.. على الجانب الآخر فإن بعض المنتجين ردوا بطريقة خاطئة.. ظهر نوع من دراما الفلل والقصور والمجمعات السكنية المغلقة.. وكأن مصر كلها تعيش فى التجمع الخامس أو فى زايد وغيرهما من الأحياء الراقية.. كانت هذه المسلسلات تعريبًا وسيرًا على نهج مسلسلات أمريكية شهيرة تقدم حياة العائلات الثرية ضمن ترويجها للحلم الأمريكى.. عيب هذه المسلسلات أنها تدور داخل أماكن فارهة مغلقة يمكن أن تكون فى مصر أو فى لبنان أو فى السعودية أو فى أى مكان آخر فى العالم أو فى أى قصر أو فيلا فاخرة فى العالم.. المطلوب أن يكون عندنا دراما تصور الجمال المصرى.. أن نرى مشاهد يتم تصويرها فى الهرم وأخرى فى البرج وثالثة فى القلعة ورابعة فى البحر المتوسط وخامسة فى البحر الأحمر وسادسة فى سيوة وسابعة فى دهب وثامنة فى مطروح وتاسعة فى المنصورة الجديدة وعاشرة فى العلمين.. إلخ.
المتابعون يعرفون جيدًا أن الدراما التركية لعبت دورًا فى تسويق السياحة لتركيا.. قدمت الكاميرات مناظر خلابة على خلفية أحداث عاطفية ملتهبة فعلقت المناظر فى أذهان الناس.. كل مشاهد تابع مسلسلًا تركيًا رغب فى أن يزور المشاهد الساحرة التى نقلتها له الكاميرا.. المفارقة أن الكاميرا أحيانًا تنقل الواقع بأجمل مما هو إذا كان وراءها فنان كبير أو فنان حقيقى.. اقتراحى أن نضع تسويق الجمال المصرى على رأس أهداف المسلسلات التى ننتجها فى رمضان القادم وما يليه من إنتاج.. لقد وضعنا أهدافًا هامة وحققناها فى السنوات الماضية.. من هذه الأهداف مثلًا تقديم الرواية المصرية للصراع مع الإرهاب وتوصيلها للأجيال الجديدة وقد تم هذا بنجاح ساحق عبر مسلسلات مثل «الاختيار» و«هجمة مرتدة».. كان من بين الأهداف أيضًا إعادة الاعتبار للأسرة المصرية ككيان وقد تم هذا عبر مسلسلات مثل «أبو العروسة» وغيره من المسلسلات.. مطلوب الآن أن نضيف لهذه الأهداف هدف الترويج للجمال المصرى وللطبيعة المصرية وللمدن الجديدة ولكل ما يشى بالتنوع والجمال المصرى.. والحقيقة أن الدراما لكى تؤدى هذه المهمة بنجاح يجب أن يتولى إخراجها كبار مخرجينا الموهوبين بحيث تصبح الصورة عنصرًا أساسيًا فى العمل وليس الحوار أو الحبكة، كما هو الحال منذ سنوات طويلة.. وعلى سبيل المثال فقد نجح المخرج الكبير محمد ياسين فى مسلسله «المشوار» من إنتاج ٢٠٢١ فى نقل عدد من المشاهد الجديدة على عين المشاهد المصرى مثل جبال الملح فى الإسكندرية أو حديقة الحيوان فى المساء أو مقبرة السيارات التى كانت مسرحًا لبعض المشاهد.. ورغم سوء الحظ الذى لازم المسلسل إلا أن تميزه على مستوى الصورة كان لافتًا للنظر.. وبالتالى فعلى شركات الإنتاج أن تدرك أن المسألة لا تتعلق بالتوفير فى ساعات التصوير أو براعة المخرج فى الإنجاز السريع وتعليب المسلسل بأقل تكلفة ممكنة.. بقدر ما تتعلق بالقدرة على نقل تنوع وجمال الأماكن الطبيعية فى مصر فى البحر والصحراء والنيل والصعيد والمعابد والمنتجعات والقاهرة الخديوية والقاهرة الفاطمية والقاهرة الحديثة.. إلى آخر ما لا يمكن حصره من الجمال المصرى وهى مهمة وطنية للفن أثق أن الشركة المتحدة ستتصدى لها وتنجزها بنجاح، كما هى عادتها دائمًا.