عملى أولوية.. مش رفاهية
لا يستطيع أحد أن ينكر ما تعانيه المرأة المصرية فى سوق العمل. فهناك ضعف عام فى مشاركة المرأة فى سوق العمل مقارنة بالذكور. وهناك تفضيل المرأة للعمل الحكومى فى مقابل القطاع الخاص. كما يمكن حصر مجالات العمل الأكثر توظيفاً وجذباً للمرأة: التعليم، والصحة، والاتصالات والمعلومات، والزراعة، والتجزئة، والغذاء، والملابس الجاهزة، وأنشطة العمل الاجتماعى. كما دخلت المرأة مجال السباكة والنجارة وتصليح الموبايلات وقيادة السيارات. ولكن يظل عمل المرأة بأجر أقل بكثير من نصف إجمالى قوة العمل، وتظل الصورة الذهنية للمرأة سلبية.. بما يعيقها في تولى المناصب والترقية والعمل العام. ولذا نجد فرقا فى الأجور والمرتبات والمكافآت والامتيازات بين الجنسين فى العديد من الأنشطة الاقتصادية والمهن. ولا ننسى أن النسبة الأكبر من العاطلات عن العمل من التعليم المتوسط الفنى والجامعى والدراسات العليا. وأن ما يقرب من نصف إجمالى عدد المرأة العاملة.. يعملن فى القطاع غير الرسمى الذى يعتبر جزءا من الاقتصاد الموازى غير الرسمى. ويظل الاحتياج هو من أكثر الدوافع لعمل المرأة فى الأعمال الحرة.. لمواجهة متطلبات الحياة الصعبة. كما أن ضعف تمكين المرأة من الوصول للإدارة العليا فى صناعة القرار واتخاذه تغير إلى درجة كبيرة خلال السنوات الأخيرة.
ولذا أسعدنى كثيراً متابعة مشروع "تعزيز مشاركة المرأة فى سوق العمل" الذى تقوم به مؤسسة وسائل الاتصال من أجل التنمية (أكت). والذى ترتكز أهمية فكرته على التمكين الاقتصادى الذى أصبح ضمن أهم الأولويات الرئيسية للحكومة المصرية خلال السنوات الماضية، ويتواكب مع رؤية مصر 2030، لا سيما مع الركيزة الأولى (التنمية الاقتصادية) التى أكدت الحاجة إلى خلق فرص وتوظيف جديدة للنساء من أجل القضاء على الفجوة الحالية بين الرجال والنساء.
يستهدف المشروع المذكور 100 سيدة من محافظات القاهرة الكبرى والصعيد من خلال تدريبهن على أدوات ووسائل التوعية المسموعة والمرئية، بالإضافة إلى تناول قصص النساء المتميزة فى مجال العمل فى الأفلام التى سوف يتم إنتاجها من المركز.
نتائج المشروع المتوقعة هى تدريب النساء على صناعة السرد السمعى البصرى، وتنفيذ حملة توعية لتشجيع مشاركة النساء فى سوق العمل، وتدريب مجموعة من المهنيين المتخصصين فى سوق العمل على كيفية معالجة القضايا المتعلقة بالمرأة.
يظل الحل فى زيادة مشاركة النساء فى قوة العمل إلى حد المساواة مع الرجال، مما يؤدى إلى زيادة إجمالى الناتج القومى. ولكن مع مراعاة اتخاذ إجراءات تحقيق توازن بين متطلبات عملهن ومسؤولياتهن الأسرية بالتركيز على: آليات التوظيف، والتدرج الوظيفى للمرأة العاملة وتطوره، والتوازن بين الأسرة والعمل، وتقنين سياسات مواجهة التحرش الجنسى والتنمر والاستغلال والترصد من بعض الموالين والمقربين.. لأن تمكين المرأة يحتاج إلى تعزيز مشاركتها فى سوق العمل من خلال رفع وعى النساء بأهمية مشاركتهن وعدم تجهيلهن وتهميشهن والتغلب على الهيمنة الذكورية التى تعوق مشاركتهن بشكل كامل.
وفى سبيل الوصول لتلك الحالة من تمكين المرأة فى سوق العمل، نحتاج إلى تطوير سياسات ضمان التزام القطاع الخاص بتمثيل مناسب للمرأة فى مجالس إدارة الشركات، والاهتمام بتنوع القطاعات الاقتصادية المتوطنة بالمحافظات، وجذب صناعات تستطيع خلق فرص مباشرة وغير مباشرة لتشغيل المرأة. وتفعيل السياسات والإجراءات التى تشجع النساء على إقامة مشروعاتهن الخاصة. وتوفير بيئة عمل وأماكن عامة ووسائل نقل آمنة، ومعالجة الانحياز الواعى، وتطوير سياسات الاستثمار ونظم الإدارة والتمويل، وسياسات ضمان التزام القطاع الخاص بتنوع القطاعات الاقتصادية المتوطنة بالمحافظات. وتحقيق المزيد من الحماية لحقوق المرأة العاملة، وتفعيل القوانين التى تحميها وتضمن حقوقها فيما يتعلق بساعات العمل والإجازات، والمساواة مع الذكور فى الأجر لا سيما خاصة فى القطاع الخاص. وتعزيز عمل المرأة فى القطاع الزراعى والتوسع فى مشروعات تسهل تشغيل المرأة فى مواقع مختلفة للإنتاج والتصنيع الزراعى، وإتاحة مصادر للتمويل للمرأة العاملة فى القطاع الزراعى بكل أنشطته لتوسيع دورها فيه. وأخيراً، إصدار القوانين والإجراءات التى تساعد فى الحفاظ على حقوق المرأة العاملة فى القطاع غير الرسمى، وإجراء دراسات حول المساهمة الاقتصادية لعمل المرأة غير مدفوع الأجر داخل المنزل.. كأساس لنشر ثقافة تقدر هذا العمل، وتطبيق نظم التشغيل المرن والعمل والحماية من المنزل.
نقطة ومن أول الصبر..
لا تزال المرأة تعانى من عدم تمكينها وتهميشها واستضعافها والتقليل منها فى سوق العمل.. رغم كل جهود الدولة والمجتمع المدنى. وهو ما يعود إلى الثقافة المتوارثة العامة المتأصلة فى العقلية الذكورية.
المرأة فى سوق العمل.. ليست للرفاهية أو الاستغلال أو التحرش أو التنمر..
ما زالت حرية المرأة وتمكينها على الورق.