المشكلة المصرية
أظن أننا فى لحظة مناسبة لطرح «المشكلة المصرية» على جموع الشعب المصرى فى مؤتمر عام.. إن هذه المشكلة هى مشكلتنا نحن كشعب، ليست من صنع عدو ولا مسئولية حاكم ولا نتاج تدخل ولكنها تراكم تاريخى وثقافى واقتصادى وسياسى قادنا إلى ما نحن فيه.. والمهم أننا لن نخرج من وضعنا هذا إلا إذا حللنا المشكلة المصرية.
يشكو الجميع من الاقتصاد، ويظن الجميع أن علينا ألا نتكلم سوى فى الاقتصاد.. والحقيقة أننا لن نحل مشكلة الاقتصاد إلا إذا حللنا المشكلة المصرية.. هذه المشكلة مشكلة ثقافية واجتماعية بالأساس لها أركان خمسة تشكل مجمل التحديات التى تشد مصر إلى الوراء وتكبل أقدامها كلما أرادت الانطلاق ويستغلها أعداؤها فى الخارج والداخل لضرب نهضة شعبها وقواه الحية وينفذون هذا للأسف بأيدى أناس من أبناء هذا الشعب ويحملون جنسية هذا البلد.
أول أركان هذه المشكلة هو «الزيادة السكانية» وهى مشكلة ثقافية بالأساس.. تلتهم عائدات النمو وأساسها دينى طائفى مع طابع تقليدى.. حيث راح البعض يقنع الناس أن زيادة السكان نوع من أنواع الجهاد الذى يهدف لكثرة عدد المسلمين رغم أن الكثرة بلا تعليم هى كثرة كغثاء السيل كما قال الرسول (ص).. ثم ظهر فى السبعينيات بعض المجرمين من تجار الطائفية أقنعوا المسلمين والأقباط معًا أن عليهم أن يدخلوا فى سباق للإنجاب للحفاظ على نسبة كل دين من أبناء الشعب وكانت هذه أكبر جريمة ارتكبت فى حق هذا الشعب المسالم والمتوحد تحت راية الوطن طوال عمره.. وغذت هذه النزعات المدمرة لزيادة السكان فتاوى تحريم عمل المرأة وتعدد الزوجات وجواز الزواج المبكر.. والتى شكلت كلها روافد تصب فى نهر الزيادة السكانية.. والنتيجة أننا نزيد اثنين مليون مواطن كل عام وهو رقم يمثل سكان عدة دول عربية مع بعضها البعض!!
وكان ثانى أركان هذه المشكلة المصرية هو ثقافة التخلف التى تم نشرها فى السبعينيات والتى تعادى العلم وتعتبره نوعًا من الكفر وتروج لثقافة الإعجاز القرآنى والذى يعنى ببساطة أن كل شىء موجود لدينا، وأن علينا أن نتوقف عن البحث والعلم والدراسة لأن كل شىء موجود فى القرآن.. والحقيقة أن القرآن كتاب عظيم لكنه ليس كتاب علم وإنما هو أعظم من هذا بكثير.. ومن قلب ثقافة التخلف ظهرت تنظيمات التكفير وتحريم العمل فى الدولة وتحريم السياحة والمطالبة بهدم الآثار وقتل السائحين واغتيال المسئولين وتكفير الفن.. إلخ.. وهى كلها موجات أخرت المجتمع والدولة سنوات طويلة للوراء وساهمت فى استنزاف قوة الدولة وتعطيل التنمية وتلويث العقل المصرى وتراجع الثقافة وتدهور الفنون.. وما زال لها للأسف آثارها المدمرة رغم انتفاضة الناس فى ٣٠ يونيو ضد كل هذا الركام ورغم المنهج الإصلاحى للرئيس السيسى ووعيه بهذه المشكلة من جذورها.
أما الركن الثالث من أركان المشكلة المصرية فهو الفساد الذى تحول لعقيدة يعتنقها كثير من الموظفين وبعض أفراد النخبة المصرية «بمن فيهم الإعلاميون» وهو يعود لصدمة ما بعد نكسة يونيو، ومحاولات هدم الذات المصرية، وسيادة عقيدة «شيلنى واشيلك» و«إذا أردت أن تنجز فعليك بالوينجز» و«الشىء لزوم الشىء» وللأسف الشديد فقد توغل الفساد فى أركان الدولة والمجتمع طوال العقود الأربعة الماضية وتحول إلى مؤسسة ضخمة، يساند أعضاؤها بعضهم البعض ويدافعون عن بعضهم البعض، ولا شك أن الفساد أحد أهم أسباب تعطل الإنجاز الاقتصادى وهروب المستثمرين الجادين، ورغم الضربات التى وجهتها الأجهزة الرقابية للفساد خلال السنوات الثمانى الماضية إلا أنه مثل الحية له عدة رءوس وأذيال أيضًا.. وإن كان ما يدعو للتفاؤل أن الجميع يعرف أننا فى عهد نظيف لا يرحب بالفاسدين ولا يرحمهم إذا سقطوا وإن بقى بعضهم إلى حين.
أما رابع أركان المشكلة المصرية فهو المخدرات التى عادت للانتشار منذ السبعينيات ودخلت منها أنواع لم تكن موجودة فى مصر وتم التوسع فى ترويجها وتوزيعها واستيرادها بشكل يمثل لغزًا كبيرًا حتى الآن.. ولا شك فى الأثر المدمر للمخدرات على الاقتصاد القومى أولًا.. حيث تستهلك عدة مليارات من الدولارات سنويًا من جهة وتعطل مئات الآلاف عن العمل والإنتاج من جهة أخرى وتؤدى إلى تفكك عشرات الآلاف من الأسر من جهةٍ رابعة وإلى انتشار العنف والجريمة من جهة خامسة وتشكل نوعًا من الاقتصاد الأسود من جهة سادسة ورغم حملات الشركة المتحدة المؤثرة للتوعية بأخطارها إلا أن انتشار الأنواع الرخيصة والمصنعة محليًا مثل «الآيس» و«الفودو» و«المادة» و«البودر» بات يشكل تحديًا جديدًا يجب مناقشته ودراسته وعلاجه على وجه السرعة.
أما خامس أركان المشكلة فهو الأمية.. سواء أمية القراءة والكتابة وعدد من يعانى منها يزيد عن ثلاثين مليون مصرى.. أو أمية المتعلمين الذين لا يحسن بعضهم «فك الخط» ولا يعرف بعضهم شيئًا عن أمور الدنيا.. ومأساة الأمى أنه محدود العقل، قليل المهارات، لا يمكن توظيفه فى الصناعة أو فى الحرف الحديثة التى تقوم كلها على قراءة التعليمات أو القراءة فى مجال الصناعة التى يعمل بها العالم أو تتطلب نوعًا من الانتباه والفطنة لا يمكن توافره فيمن لم يتمكن من إتقان القراءة وهو طفل.. حيث انتهى عهد العامل الأمى أو البصمجى على حد التعبير الشهير، والمشكلة أن هؤلاء الملايين الثلاثين يشكلون عبئًا إضافيًا على الاقتصاد وعلى الدولة وعلى المتعلمين.. حيث على كل متعلم مصرى أن يعول عدة أفراد من غير المتعلمين يحيطون به فى صورة عمال خدمات وبوابين ومتسولين... إلخ، وهو أمر لا يستقيم معه الحلم بنهضة صناعية أو نقلة اقتصادية بينما لدينا الملايين غير مؤهلين لأى عمل.. والحل هو أن يدعو الرئيس لمؤتمر كبير يناقش المشكلة المصرية ويضع مشاكل المصريين أمام عيونهم.. حتى نواجه مشاكلنا بصراحة ونتوقف عن التفكير الساذج بأن تغيير الوزير أو الأمير سيجعل الجميع يرتدون الحرير ويركبون المرسيدس ويجعل جميع المشاكل وكأنها لم تكن.. وهو وهم كبير.. نتيجة طريقة تفكير خاطئة.. يمكن أن نضيفها هى أيضًا لإجمال المشكلة المصرية!