ثناء هاشم: أفكار صلاح فضل فى حقيقتها أعمق وأبعد مما هى عليه
نعت الدكتورة ثناء هاشم، أستاذ السيناريو بأكاديمية الفنون، الدكتور صلاح فضل رئيس مجمع اللغة العربية، والذي غادر عالمنا قبل ساعات، مشيرة في منشور لها عبر حسابها الشخصي بـ فيسبوك إلى: عادة لا أكتب عن شخص أو أنعيه ما لم تكن تربطنى به صلة شخصية، والصلة الشخصية هنا لا أعنى بها علاقة مباشرة، وإنما قد تكون تغييرا عميقا بى أحدثه هذا الشخص بأسلوب، بموقف عظيم، بمنهج في التفكير إلخ، وقد نتج عنه انتقالا نوعيا وفارقا في حياتى.
وتابعت “هاشم”: لم أكن يوما من تلاميذ الدكتور صلاح فضل المباشرين، لكننى حضرت له محاضرات وندوات من سنوات بعيدة واقتنيت كتبه، وكان وقتها في عنفوان وجوده على الساحة الثقافية (وقت ما كان لا يزال لدينا ساحات ثقافية).
وأضافت: أعترف أننى وقتها لم أستطع التطبيع معه، وكنت أرى في كتبه أساليب قديمة، وخيل إلى أنه يتحدث ويكتب دومًا من وراء قناع، وأن بكتاباته على قيمتها شيئا ما ميتا تعوزه الحياة، وكما هو الحال، الأسلوب هو تقاطيع الذهن وملامحه وهو منفذ إلى الشخصية أكثر صدقا ودلالة من ملامح الوجه.
وأوضحت “هاشم”: ثم حدث أن أجريت معه حوارا صحفيا لمجلة عربية وبكل شجاعة واجهته بما يعتمل في نفسي تجاه كتاباته وأفكاره وأسلوبه، وانتظرت ردا عاصفا يليق باعتداد صلاح فضل بنفسه والمعروف عنه، لكنه صمت قليلا ثم سألنى بود: هل حقا تشعرين أننى أكتب من وراء قناع؟ وأن شيئا ميتا فيما أكتب؟ وقولت له: (سامحنى ..ربما)
صمت قليلا ثم بدأ يتحدث بتدفق وود لم أعهدهما فيه من قبل، بدأ يلقى أمامى أفكاره قطعة قطعة، في عبارات قصيرة بسيطة عميقة ودافئة، وتحدث معى عن تكوينه وكيف يعمل ليعالج أفكاره بالكلمات، واكتشفت أنه من ذلك النوع الذى أفكاره في حقيقتها أعمق وأبعد مما هى عليه، وختم اللقاء المطول بأن قال لي: آمل يا عزيزتي أن يكون بهذا اللقاء شيئ حي ذو قيمة وبلا قناع، فاعتذرت له بشدة وشكرته على فيض الإجابات، لكنه استدرك مبتسما مشجعا، وعلق، لا مجال للاعتذار، يحدث في هذه الحياة التعسة أن نصادف أشخاصا استثنائيين قادرين على أن يقولوا ببساطة ما في أذهانهم دون تكلف أو اصطناع، والإنسان لا يصطنع إلا ما يفتقده، وختم حديثه بتمنى صادق وتوقع مستقبل مميز لى.
واختتمت “هاشم” مؤكدة على: أضاء حوار صلاح فضل مساحة واسعة في عقلى ووجدانى، وكثيرا ما أتذكر تلك المساحة من الفضفضة والرفعة في الحديث التى حظيت بها معه، تذكرتها عندما قابلته صدفة من فترة ليست بعيدة في مطعم أوتيل قديم وعريق بالإسكندرية يتناول وجبة فطوره بهدوء وعزلة تليق بمن هم مثله في هذا الزمن القفر العجيب، وتشبثت بيده لدقائق وأنا أسلم عليه كغريق في الطوفان يتعلق بجذع شجرة متين يطفو عليه، وأتذكرها مرارا عندما أشعر أن العالم بات ساذجا ورديئا ومليئا بالضجيج، يكاد يقضي على أحلامى وخصب أفكارى، لكننى أحاول أن أواجهه بأكثر الطرق بساطة في الحياة واستقامة الذهن والمعاني قدر المستطاع، لعله يكون في هذا النهج، نجاة من السخف والتفاهة والجنون الذين تئن حياتنا تحت ثقلهم.
وداعا الدكتور صلاح فضل ، المثقف الشديد التمايز، والأستاذ الموقر..في رحاب الله ومعيته وغفرانه.