رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلسفة التعمير

من وجهة نظرى الخاصة فإن مصر دخلت مرحلة جديدة منذ سنتين وهى مرحلة اتضاح الرؤية.. منذ أن تولى الرئيس السيسى كانت الدولة تعمل بدأب.. ولكن أيضًا فى صمت.. لم تكن المشاريع يتم الإعلان عنها.. وكان هناك ميل للسرية تحسبًا من مخططات أهل الشر.. ورغم أن السرية فى حالات الحرب مطلوبة إلا أنها فتحت الباب لمن يرغب فى التشكيك والتشويه وإثارة مخاوف الناس مما يحدث.. وكان العمل أفضل من عدم العمل والسكون أفضل من الحركة والركود أفضل من السعى نحو المستقبل.. وكان ما يحدث أنه يتم اقتطاع أجزاء وعبارات وصور من سياقها لتشويه ما يحدث من عمل واستباق الحكم عليه قبل أن ينتهى بإثارة سخط الناس.. وكأنك تقدم للناس طبخة قبل أن تضعها على النار.. ثم تقول لهم انظروا كم هى رديئة الطعم؟!! أو تتباكى على ما أنفق عليها وتدعى أنه خسائر.. فى حين أنها عندما تنضج تستطيع تقديمها فى مطعمك بالسعر الذى تريد.. لكن الحقيقة أن الزمن تكفل بإبطال سلاح التشكيك والتشويه، فقد انتهى كثير من المشروعات رغم أزمة الاقتصاد العالمى الممتدة.. وأثمرت البذور التى تمت زراعها وبقيت مراحل أخرى لتسويق الثمار وجنى أثمانها.. شاء الله أن تتأخر بفعل أزمة الحرب الممتدة.. إن مئات المشاريع الكبرى التى يتم افتتاحها يومًا بعد يوم وأسبوعًا بعد أسبوع.. تقودنا لقراءة فلسفة الدولة فى التعمير التى رسمها بلا شك الرئيس السيسى.. وهى فلسفة تقوم على أن ما يمكن عمله اليوم لا يمكن تأجيله للغد لأننا فى سباق مع الزمن والزيادة السكانية.. وتقوم أيضًا على أن زيادة حجم المعمور المصرى هو فرض عين لا فرض كفاية.. فكل قطعة أرض نستطيع الوصول إليها يجب تعميرها ومد الطرق إليها وهذا التعمير إما بالبناء المنظم للمدن الحديثة والذكية كما تم فى المنصورة الجديدة وثلاثين مدينة أخرى غيرها.. أو بالمزارع المليونية العملاقة كما فى «مستقبل مصر» و«الوادى الجديد» و«المليون ونصف فدان» وغيرها.. ومن ملامح هذه الفلسفة أيضًا أنه لا تعمير دون طرق واسعة ووسائل مواصلات سريعة ونظيفة ومريحة، وبالتالى فإن كل استثمار فى هذه الوسائل هو استثمار فى محله وسينعكس على الوضع الاقتصادى كله بالإيجاب إذا استطعنا إحداث النقلة المرجوة للبلد.. وسنستطيع بإذن الله.. من ملامح هذه الفلسفة أيضًا.. تعظيم الموارد مع الحفاظ على الأصول.. كما رأينا فى مشروع تطوير المنتزه الذى سأحتفظ بالرأى النهائى فيه لأعلنه بعد زيارة مهنية إليه.. لكننى مبدئيًا أرى أن ما تحقق شىء عظيم وأنه يهدف لفتح مكان ظل مغلقًا على نخبة ضيقة للمصريين جميعًا.. وهى فلسفة اتبعتها الدولة فى الساحل الشمالى أيضًا.. حيث يستطيع أى مواطن أن يدخل هذه المدينة التى تضم استراحات رسمية ومقرًا حكوميًا وأن يجلس على شاطئ مفتوح دون أى رسوم.. على خلاف الحال فى كل شواطئ الساحل التى تمت مصادرتها لحساب من يملكون الشاليهات وتحويل شواطئها لملكية خاصة.. على خلاف الوضع فى كل دول العالم.. حررت الدولة الشاطئ فى العلمين وجعلته حقًا لأى مصرى.. وفعلت نفس الشىء فى المنتزه الذى كان قاصرًا على الأسرة الملكية.. ثم أصبح الجزء المواجه للبحر فيه خاصًا بأعضاء مجلس قيادة الثورة.. ثم الوزراء والكبار فى عهد مبارك.. الآن تم تحرير الشاطئ وبناء مرافق عامة يمكن لأى مصرى استخدامها دون تفرقة أو تمييز.. وهذا فى حد ذاته مكسب كبير جدًا.. ولا شك أن هذا ربما أثار غضب بعض المنتفعين من الوضع القديم.. وربما دفع بعضهم لمحاولات التشكيك والتشويه إما مباشرة أو عبر الدفع لبعض الكتائب الإلكترونية.. لكن هذا غير مهم إطلاقًا.. فالغضب حق للجميع ما دام العمل لم يتأثر بهذه الحملات السوداء.. وتبقى النقطة الخاصة بكيفية التطوير والألوان والخامات المستخدمة.. والطراز المعمارى.. وهى تخضع للمثل الشهير «لولا اختلاف الآراء لبارت السلع».. فما تراه أنت مناسبًا.. قد يراه غيرك ليس كذلك.. وأنا شخصيًا كنت أحب استخدام اللونين الأبيض والأزرق فى المبانى الشاطئية.. لكن هذا لا يعنى أى شىء سوى أن هذا هو ذوقى الشخصى.. وأن الآخرين غير ملزمين بأن يفكروا مثلى.. أو أن يكون لهم مثل ذوقى الشخصى ولا مثل أذواق الآخرين، ويبقى أن مميزات التطوير أكبر بكثير من التوقف أمام ملاحظة هنا أو هناك.. هذا إذا افترضنا أنها ملاحظة موضوعية لا يطلقها صاحب هوس أو مصلحة أو طالب ثأر!

ويبقى من ملامح فلسفة التعمير أيضًا أن الدولة لم تقرر أن تقضى على العشوائيات فقط.. لكنها قررت أن تقضى على نمط البناء العشوائى أيضًا.. وهو النمط الذى يقوم فيه الأفراد بالبناء بأنفسهم.. دون تخطيط عمرانى للشوارع ودون رؤية جمالية للمبانى ودون الاستعانة بمهندس معمارى من الأساس! حيث تسابق الدولة الزمن كى تكون هناك مبانٍ لائقة تقابل الطلب على المساكن والمرتبط بالزيادة السكانية وبخروج ٢ مليون مصرى للحياة كل عام.. ما يمكن أن أقوله وأنا مرتاح الضمير إننا بدأنا فى جنى الثمار التى زرعنا بذورها منذ سنوات.. ورواها رجالنا بالدم والعرق وأنه ما زالت أمامنا مرحلة تسويق الثمار وجنى الثمن.. وهو ما سيحدث بالصبر والعمل بإذن الله.