الدولة والشباب
علاقة الرئيس السيسى بالشباب المصرى تستحق التوقف عندها كثيرًا.. آخر المشاهد كان حواره مع المواهب الكروية فى نادى شربين الرياضى.. هؤلاء الشباب فازوا فى مسابقة لاكتشاف المواهب تحمل اسم «كابيتانو مصر» تنظمها الدولة.. المسابقة فكرة الرئيس السيسى.. الفكرة لا تصدر أبدًا عن رئيس يؤدى عمله كوظيفة ولكن عن قائد يحلم بأن يرى بلده أفضل وعن أب يحلم بأن يرى أبناءه فى مكان لائق بهم.. وصف الرئيس بـ«الأب» يثير حساسيات لدى قطاع من المهتمين بالعمل السياسى وفق الكتالوج الغربى.. ما أقصده بوصف الرئيس بالأب هنا هو أن الأب هو الوحيد الذى يحلم بأن يرى أبناءه أفضل منه.. وأنا أشعر أن الرئيس السيسى يحلم بذلك للشباب المصرى وأنه يريد أن يتيح لهم كافة سبل التمكين والتعليم كما يفعل أب مع أبنائه.. فهو يفكر فى تعليم الشباب خبرة البرمجة الرقمية التى تتيح لهم فرص عمل فى السوق العالمية ويشعر بالإحباط لأن عدد من اجتازوا الاختبار بنجاح لم يتجاوز مئتين فى وقت كان هو يحلم بتوفير فرصة لثلاثمئة ألف شاب للحصول على الدراسة اللازمة وتكفل بتوفير التمويل اللازم لذلك.. إن هذا بكل تأكيد شعور أب يريد أن يحصل ابنه على أفضل تعليم ممكن ليواجه الحياة بأفضل طريقة ممكنة.. نفس الأمر شعرت به وهو يجرى الحوار مع المواهب الرياضية الفائزة.. إن الرئيس رجل معلومات فى المقام الأول، ولا شك أنه سمع كثيرًا الاتهامات حول تدخل الواسطة فى اختيار الناشئين فى الأندية الكبرى وهو يفكر أيضًا أن المواهب الكروية هى إضافة للقوى الناعمة المصرية.. كل لاعب موهوب فى نادٍ عالمى هو سفير فوق العادة لمصر.. منتخب وطنى قوى هو مصدر بهجة وفرح لكل المصريين ومصدر دخل أيضًا لو نجح فى الفوز بالبطولات القارية والعالمية.. لذلك يفكر الرئيس فى أن يبدأ من جديد.. الحديث عن إصلاح الأندية الرياضية وشبكات المصالح فيها يطول.. ويصطدم بشبكات مصالح تحتية وتحزبات وفاسدين يستخدمون حب الجماهير لهم كدرع حماية من المحاسبة ومتطرفين فى ثياب رياضيين وتحالفات تحتية وفوقية.. إلخ.. لذلك أطلق الرئيس مسابقة لاكتشاف الموهوبين رياضيًا.. وهو نفس ما فعله عبر برنامج الدوم الذى أنتجته الشركة المتحدة وقدم عددًا من المواهب الواعدة والتى استمعنا لبعضها فى حفل افتتاح المنصورة الجديدة.. هذا الاهتمام بالشباب ناتج عن دراسة الرئيس لمشاكل الدولة المصرية قبل ٢٠١١ وإدراكه أن الدولة كانت تعانى من الشيخوخة ومن حكم الشيوخ إذا جاز التعبير.. أدى هذا لشعور الشباب بالاغتراب ولجوء بعضهم للعمل مع منظمات خارجية فى مجال السياسة وحقوق الإنسان وغيرها من المجالات.. فضلًا عن لجوء بعضهم لجماعة الإخوان الإرهابية إما عن قناعة أو عن انتهازية.. بعض الإعلاميين لجأوا للعمل خدمًا لدى جماعة الإخوان وأجروا لها الصحف التى يصدرونها.. وكانوا يجندون شباب الصحفيين لخدمة أهداف الجماعة أو يقدمون بعض كوادر الجماعة فى ثوب صحفيين ماهرين أو كتاب مستقلين.. التاريخ موجود وشاهد على هذه المخازى كلها.. الرئيس السيسى أدرك أنه لا بد من سياسة لتمكين الشباب وإعادته لأحضان الدولة الوطنية.. بدأت استراتيجية متكاملة منذ اللحظة الأولى.. أعلنت عن نفسها بإطلاق عام الشباب المصرى فى ٢٠١٦.. الرئيس أطلق أيضًا البرنامج الرئاسى للشباب وهو منحة دراسية مكثفة لتدريب الشباب على علوم الإدارة والسياسة على نمط مدرسة الإدارة العليا فى فرنسا التى تخرج فيها كل السياسيين والرؤساء الفرنسيين تقريبًا.. التقدم للبرنامج الرئاسى كان متاحًا لكل المصريين من خلال اختبارات قبول موضوعية وكان هذا يعنى بشكل ما انتهاء عصر احتكار النخبة فى مصر أو قصرها على بعض الطبقات الثرية كما كان الحال فى آخر عشر سنوات سبقت يناير ٢٠١١.. كل المؤشرات دلت على أن العمل يجرى بنزاهة واحترافية تامة وأن الباب مفتوح لكل من يؤمن بالدولة الوطنية المصرية بعيدًا عن التفاصيل الحزبية.. تطورت الفكرة لتظهر تنسيقية شباب الأحزاب لتضم شبابًا من اليمين واليسار والوسط يعملون فى إطار جامع كان هو الإرهاصة الأولى لفكرة الحوار الوطنى بين جميع المصريين والذى نشهد جولاته المبدئية حاليًا.. فى نفس الإطار ظهرت الأكاديمية الوطنية للتدريب ككيان علمى يقدم خبرة التعليم والتدريب للشباب المصرى بعيدًا عن المنح الأجنبية وأنشطة المنظمات المشبوهة.. المشبوه هو الشخص الذى تحيطه دائمًا شبهات لا يمكن القطع بصحتها ربما بسبب مهارته فى التخفى أو اللعب على الحبال أو خدمة أكثر من هدف فى نفس الوقت.. بعض المشبوهين يخرجون من وقت لآخر ليهاجموا جهد الدولة فى العمل مع الشباب مع أنه إضافة أكيدة لرصيد الدولة المصرية وللشباب معًا.. وآثاره الإيجابية أكبر من السلبية بكثير.. الدولة لا تمنع من يريد من الشباب أن ينضم لحزب معارض أو يحصل على منح تعليم أو تدريب فى الخارج كما كان الحال فى الماضى.. هى فقط تفتح أبوابها لمن يريد أن يدرس ويتدرب من خلالها.. تفتح بابًا كان مغلقًا قبل يناير ٢٠١١ وكان إغلاقه يفتح الباب لبعض المشبوهين لتجنيد الشباب المصرى لخدمة الجماعة الإرهابية.. بعضهم كان يعمل مقاول أنفار صحفية لحساب الجماعة الإرهابية ومنظمات التغيير الأمريكية.. الآن تغير الوضع فلم يعد لبعض هؤلاء مجال واسع للارتزاق.. بعضهم يضايقه أن تكون علاقة الدولة بشباب مصر جيدة أو أن يتم تمكين الشباب ومنحهم الفرص التى حرموا منها طويلًا بالفعل.. تمكين الشباب يقضى على فرص السماسرة والمرتزقة والوسطاء ويجعل تجارتهم تبور أكثر مما هى بائرة.. أصوات رخيصة ومكشوفة ومبتذلة لا يجب الالتفات لها وإن كان واجبًا فضحها وتحذير الناس من فسادها.. تحية لكل جهد معنى وشريف يبذل فى مجال تدريب وتمكين الشباب المصرى.. وخالص الاحتقار لكل من يحاول تشويه هذا الجهد لحساب دولارات منظمات التغيير وتجار الفوضى وسماسرة الأزمات ومليونيرات التنوير المزيف.