فوضى فى الضفة
حتى لو كنت بارعًا فى الحساب والمتابعة، لن تستطيع أن تستوعب بالإجمال العمليات فى الضفة والقدس، فى إسرائيل يقومون بعمليات اعتقال متتالية، الحملات تشمل المنفذ والمقربين منه ومن لهم علاقة به، والمشتبه بهم أنهم بصدد تنفيذ عملية، والفلسطينيون من جانبهم لا يستسلمون، يقومون بعمليات هنا وهناك، طعن ودهس، وتفجير فى بعض الأحيان، لا أعرف عدد العمليات بالإجمال لكنها كثيرة.. ومن الصعب إيجاد خيط يربط بينها.. فوضى عارمة فى الضفة الغربية «٣٠ إسرائيليًا وأكثر من ١٤٠ فلسطينيًا» قُتلوا فى عمليات منذ بداية العام فى الضفة وداخل الخط الأخضر.
هناك عمليات يجب التوقف عندها، وهناك عمليات تكون إلى حد ما هامشية فى هذا السياق العنيف، خلال الفترة الأخيرة، كانت هناك عمليتان يجب فحصهما بدقة، الأولى فى «أريئيل» والثانية هى الهجوم على الحافلة فى القدس، وحتى هذه اللحظة لا يوجد ما يربطهما، لكنهما يعطيان صورة دقيقة لما هو الوضع عليه الآن.
عملية «أريئيل»، نفذها فلسطينى من سكان قرية حارس، تسببت فى قتل ٣ من الإسرائيليين وعدد من الجرحى فى مستوطنة أريئيل، قام المُنفذ بطعن رجل الأمن على مدخل المنطقة الصناعية، ثم توجّه إلى محطة للوقود، وقام بطعن رجلين آخرين، وهو ما أدى إلى مقتلهما، بعدها فرّ بسيارة مسروقة وصدم شخصًا على الطريق وقتله، ولدى توقُّف سيارة لمساعدة الشخص الذى تعرّض للدهس، استولى المهاجم على سيارته وتوجّه بها نحو موقع عسكرى، ثم قاد السيارة بعكس اتجاه السير وصدم سيارة أُخرى، خرج بعدها من السيارة محاولًا الفرار، فأُطلق عليه النار، وهو ما أدى إلى مقتله، الملاحظة المهمة هى أن المنفذ يحمل تصريح عمل من المنطقة الصناعية، وليس لديه سِجلّ أمنى، وهو ما يرفع الاحتمالات أنه قام بالهجوم بسبب «الإلهام» من العمليات المنفردة التى نُفذت مؤخرًا.
العملية الثانية فى القدس، نُفذت عبر انفجار عبوة ناسفة فى محطة حافلات قرب شارع شعارى القدس عند مدخل المدينة، وبعد حوالى نصف ساعة انفجرت عبوة ناسفة فى محطة حافلات فى مفرق راموت، وأسفرت عن مقتل ٢ إسرائيليين، وحوالى ٢٢ مصابًا، والعبوات التى انفجرت عبارة عن عبوات رش تم تفعيلها عن بعد، حيث حدثت لحظة الانفجار الثانى عندما كانت قوات كبيرة فى مكان الانفجار الأول.
الملاحظة المهمة أنه لم يعلن أى تنظيم أو مجموعة المسئولية عن الهجوم، حماس باركت العملية، لكن بدا أنها لم تكن على علم بها، ويمكن التقدير بأن العملية نفّذها أفراد ينتمون إلى داعش، أو يريدون الانضمام إلى التنظيم، أو مقربون منه.
الهجوم ليس عملية منفردة، بل يبدو أنه من جهة نظمت وخططت بشكل دقيق، واختيار «الحافلة» ليس عشوائيًا، هو إشارة ضمنية لأحداث تركت حالات من الصدمة فى المجتمع الإسرائيلى أثناء عمليات الباصات فى الانتفاضة الثانية، من اختار محطة الحافلات فى القدس يفهم جيدًا ما تعنيه، ويفهم الأثر الذى ستتركه.
آخر مرة شهدت القدس عملية فى باص، كانت فى أبريل ٢٠١٦، حين فجّر عنصر من «حماس» نفسه بالخطأ، بينما كان يحمل عبوة. حينها، أصيب ٢٠ راكبًا فى الحافلة.
لا يوجد تأكيد أو روابط مباشرة بين العمليتين، ولكن إجمالًا يمكن ربط العمليتين، بحالة الفوضى الأمنية فى الضفة الغربية.
فى الجيش الإسرائيلى والأجهزة الأمنية يرفضون بشدة طلبات اليمين بشن عملية عسكرية واسعة إلى أن يتم وقف أعمال العنف بشكل نهائى، كما يعارضون أيضًا فكرة تقويض السلطة الفلسطينية، فلا تزال الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ترى فى التنسيق مع السلطة ذخرًا استراتيجيًا.
حتى الآن لا يمكننا أن نصف الفوضى بالانتفاضة الجديدة، هذا ما سيتم تأكيده أو نفيه خلال الأيام المقبلة، هل ستتطور العمليات بالإلهام؟ هل ستظهر خلية جديدة فى الأفق تنفذ عمليات كبيرة؟ هل سيتدخل الفلسطينيون بأعداد كبيرة فى الاشتباكات؟
لا أحد لديه إجابات، لكن الخطر يتعاظم، والفوضى عارمة، والحديث عن توسيع رقعة المواجهات «حتى الآن فى نابلس وجنين» يزداد، الأسباب متوافرة: ضعف سيطرة السلطة الفلسطينية، صعود خلايا محلية فى الميدان، وحكومة يمين ستعود إلى الحكم قريبًا.