يوجين أونيل يرصد ذكريات حياته العائلية فى مسرحيته «حلة النهار خلال الليل»
يويجين أونيل، الكاتب المسرحي الأمريكي، والذي رحل عن دنيانا في مثل هذا اليوم من العام 1953، عن عمر ناهز الخامسة والستين، مخلفا ورائه تراثا مسرحيا، يعد من أفضل الأعمال المسرحية في الولايات المتحدة الأمريكية، بل والأدب المسرحي العالمي.
ورغم حصول يويجين أونيل، على جائزة نوبل العالمية للآداب خلال العام 1936، إلا أنه عزف عن الشهرة وحب الظهور، ولكنه أيضا كان يحس بمرارة شديدة، ذلك بسبب إحساسه بأنه مهمل مضيع في بلده. حسب ما يذكر الناقد المسرحي شوقي السكري، في تقديمه لمسرحية “أونيل”، “رحلة النهار خلال الليل”.
يوضح “السكري”: والخوض في حياة يوجين أونيل الشخصية ضرورة لفهم مسرحياته عموما، خاصة مسرحيته “رحلة النهار خلال الليل”. ولعل أونيل بين كتاب المسرح في القرن العشرين كان أكثرهم ولعا بتجارب الحياة، يتقصاها ويستخدمها ويعاود الرجوع إليها كلما هم بكتابة مسرحية من المسرحيات الكثيرة التي كتبها. كان دائم التنقيب في ذاكرته، يستخرج منها مفردات حياته كي يرصدها المرة تلو الأخري، وكان يستوعبها بشكل مباشر في مسرحياته وفي أحيان أخري بشكل غير مباشر.
ويلفت “السكري” إلى أن مسرحية “رحلة النهار خلال الليل”، أكثر المسرحيات شمولا لمفردات الحياة الشخصية للكاتب المسرحي الأمريكي يوجين أونيل. والذين يدركون المشقة التي يعانيها كاتب السيرة الذاتية لا بد أن يأخذهم الإشفاق علي أونيل وهو ينبش ماضيه ويتعرض لعلاقاته بأقرب الناس إليه، وعلاقة هؤلاء ببعضهم البعض. لقد كان أشبه بمن يقطع نياط قلبه وهو يتحدث عن أبيه وأمه وأخوته وعلاقته بهم، وعلاقتهم بعضهم ببعض. كان عليه أن يعيش بينهم رغم الداء والإعياء، ويتحمل ويتجمل كي يساير الناس ويفي احتياجات الحياة وينهض بأعبائها علي الوجه الذي يراه، والذي يحفظ عليه تماسكه وسمعته.
ــ لماذا توقف يوجين أونيل عن الكتابة؟
ويضيف “السكري” يبدو المجهود النفسي الذي بذله يوجين أونيل في كتابة مسرحيته “رحلة النهار خلال الليل”، الشاقة المضنية هو الذي دفع به بعد سنوات قليلة إلي التوقف عن الكتابة، هذا إذا أستثنينا مسرحيتين قصيرتين ليستا إلي إمتداد لها أو ظلا من ظلالها.
ومسرحية يوجين أونيل “رحلة النهار خلال الليل”، تدور أحداثها في العام 1907 أي في العام الذي قام فيه السيد تايرون وزوجته ــ والد ووالدة أونيل ــ بالاحتفال بعيد زفافهما الثلاثين، وكان الأب قد نسي الموعد المتفق عليه مما حز في نفس الأم وجعلها تسترجع ماضيها معه، حين كان يحتج بأنه نسي الموعد ليفلت من صرف أمواله علي الهدايا والنفقات المطلوبة في مثل هذه المناسبات. وهكذا نري الأم وقد زادت حقدا علي الأب بسبب مثل هذه التصرفات التي جعلتها تكن له كراهية عميقة الجذور علي مر الأيام والسنين.
والأم في مسرحية “رحلة النهار خلال الليل”، لها طبيعتان: صبيعة خيرة وطبيعة شرشرة آثمة، تظهر طبيعتها الخيرة في عفتها ونقاء سريرتها، وتظهر طبيعتها الشريرة حين تذكر ما دار بينها وبين زوجها مما دفعها إلي اللجوء إلي المخدرات، والهرب من الحاضر المعتم والتنكب عن مستلزمات الحياة للجري وراء ماض مزعوم والتمسح بمجد موهوم.
ويشدد السكري على أن: ومهما يكن من أمر، فإن مجرد إقدام يوجين أونيل علي كتابة هذه المسرحية التي يرصد فيها ذكرياته عن أبيه وأمه وعلاقة أفراد الأسرة بعضهم ببعض، قد مكنه من التخلص من أشباح الماضي التي كانت تطارده وتقض مضجعه، وتقف حائلا بينه وبين الاستمتاع بالحياة.
لقد كان لمسرحية “رحلة النهار خلال الليل”، صدي عميق في نفس يوجين أونيل ودور خطير في تحرير فكره وشخصيته، ولكنه لم يكن ليطيق أنيراها معروضة علي المسرح أمام الجمهور، بحيث يتوغل فيها النقاد. وقد انتهي من كتابتها عام 1940 ولكنها لم تنشر إلا في العام 1956.