«أعظم العصور في تاريخ العالم القديم».. التفاصيل الكاملة عن عصر آمون سعيد
الكثير لم نعرفه عن الحضارة المصرية القديمة، والكثير من الأسرار تتكشف يومًا بعد يوم، وفي هذا التقرير يتحدث الدكتور حسين عبد البصير عن أسرار عصر آمون سعيد وذلك حسبما ذكر في كتابه "أسرار الفرعون الذهبي توت عنخ آمون"، والصادر عن دار دون للنشر والتوزيع.
يقول حسين عبد البصير: "يُعتبر عصر الفرعون الشمس الملك الأشهر أمنحتب الثالث (ويعني اسمه «آمون سعيد») واحدًا من أعظم عصور الفن في مصر القديمة قاطبة، إن لم يكن أعظمها على الإطلاق، وواحدًا من أعظم عصور الفن في تاريخ العالم القديم كله، وأيضًا في سجل تاريخ الفن العالمي.
نُطلِق كلمة «عهد» عادة على مدة حكم أي ملك من الملوك أو حاكم من الحكام، وكلمة «عصر» على حُكم عدة ملوك أو حكَّام، وليس على ملك أو حاكم واحد فحسب، إلا على عدد قليل من الملوك أو الحكَّام البارزين في التاريخ كله، لكن هنا، سوف نُطلق على عهد أمنحتب الثالث كلمة «عصر»؛ نظرًا لعظمة الفن وروعته وجماله في مدة حكم الفرعون الشمس، وطول مدة حكمه التي تميزت بنهضة معمارية وفنية ليس لها مثيل على الإطلاق، فضلًا عن امتداد أثره الفني في فنون مصر القديمة التي تلته حين قام عدد من الملوك اللاحقين عليه، مثل الفرعون الأشهر الملك رمسيس الثاني، بتقليد الأساليب الفنية والمعمارية من عصره الواضح وضوح الشمس، علاوة على تفرُّد فنه وعصره بين الفنون والعصور في عهود ملوك مصر وحكام الشرق الأدنى القديم السابقين عليه واللاحقين له. إنه عصر فني مُعجِز بكل امتياز.
ورث الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث إمبراطورية كبيرة في قمة المجد والثراء والقوة عن أجداده الملوك الفاتحين العظام، أمثال أحمس الأول وتحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثاني وتحتمس الرابع. وحكم الملك أمنحتب الثالث (منذ حوالي 1410 إلى 1372 قبل الميلاد) الدولة المصرية العريقة نحو ثمانية وثلاثين عامًا، وكان الملك التاسع من ملوك الأسرة الثامنة عشرة من عصر الدولة الحديثة، عصر الإمبراطورية المصرية القديمة، سيدة العالم القديم أجمع. واعتلى العرش بعد وفاة أبيه الملك تحتمس الرابع في سن الثانية عشرة تقريبًا. وكانت أمه زوجة ثانوية تُدعى «موت إم ويا». وشهد عهده رخاء وازدهارًا كبيرين ليس لهما مثيل.
لم تسجل السنوات العشر الأولى من حكم الفرعون الشمس الملك أمنحتب الثالث كثيرًا من الآثار في تلك المدة؛ نظرًا لحداثة سن الملك. غير أنه بعد ذلك، نرى الملك يُشيِّد الكثير من الآثار الفريدة والمهمة الممتدة في ربوع الأرض المصرية من الشمال إلى الجنوب بعد ذلك التاريخ. وتشير المصادر إلى أن الملك أمنحتب الثالث أمر بإنشاء معبد وقلعة إلى الجنوب قليلًا من جزيرة ساي في صولب، العاصمة الإدارية في بلاد النوبة إلى الجنوب من مصر، وكذلك بنى معبدًا لزوجته المحبوبة والمُفضَّلة الملكة الذكية والحكيمة وصاحبة الشخصية القوية «تي» في بلدة سدينجه القريبة من منطقة صولب في النوبة أيضًا. وكذلك بنى قصرًا منيفًا لمقر حكمه على البر الغربي لشاطئ النيل في طيبة في منطقة الملقطة الحالية، حيث كان يحتفل في هذا القصر عادة بعيد جلوسه الملكي على عرش مصر أو ما يُعرف بعيد «سد». ومن المصادر القادمة من ذلك الموقع الأثري الهام، نعلم أن أمنحتب الثالث عاش في الملقطة بداية من العام العشرين من حكمه إلى نهاية مدة حكمه لمصر في نحو عام 1372 قبل الميلاد. واشتملت منطقة الملقطة على مساكن لأفراد عائلته ورجال بلاطه المقربين.
من اللافت للنظر أن الملك أمنحتب الثالث احتفل بعيد «سد» أو «حب سد» ثلاث مرات في مدة حكمه البالغة نحو ثلاثين عامًا، وذلك في الأعوام 30/31 و33/34 و37. وعيد «سد» كان هو «العيد الثلاثيني» وفيه كان يحتفل الملك وأهل مصر عادة بذكرى مرور ثلاثين عامًا على جلوس الملك على عرش مصر، ومن خلاله كان الملك يستعيد شبابه وحيويته وقوته ويؤكد على أهليته وشرعيته لحكم مصر الدولة القوية.
وكانت هذه الاحتفالات تجري في طيبة. ومن خلال هذه الاحتفالات والطقوس المصاحبة لها -خصوصًا في احتفاله الأول بـعيد «سد»- أكد الملك أمنحتب الثالث على فضل آلهة مصر الكبار عليه، خصوصًا آلهة الشمس التي كان يربط بين ذاته الملكية التي قُدست في حياته وذواتهم الإلهية المقدسة دومًا.