كدنا العواذل
كلمة "العواذل" المنتشرة في الأغنية المصرية، وزيها "العذال" اللي بـ نفس المعنى، زي ما حضرتك شايف كدا بـ الذال، مش "العوازل" بـ الزاي (اللي هي الزين)
الفرق هنامش إيه صحيح إملائيا وإيه غلط، إنما مفهوم "العوازل" جي من العزل، وكـ إني بـ أقول اللي بـ يعزلونا عن بعض، يعني يفرقونا، يعني واقفين بينا ومانعينا من اللقاء، بينما هي مش كدا خالص.
الكلمة جاية من "العذل" اللي هو اللوم، أو خليني أحاول الدقة وأقول التقطيم، عارف اللي يقعد يقطمك داويقول لك: يصح وما يصحش! وما ينفعش تعمل كدا في نفسك أو في الناس؟، أو إزاي تفكر بـ الطريقة دي؟ أو أي نصايح تقول إنك مش ماشي عدل، وحالك مش تماموإنت السبب في ذلك؟
أهو اللي بـ يقولوه دا هو "العذل"، وهم "عواذل" أو "عذال"، فـ فكرة "كدنا العواذل" تعني، بـ اختصار: أثبتنا إننا صح وتمام، وإننا لما خدنا السكة دي، ما كانتش سكة الخسارة.
من هنا بـ ييجي تعبير "سبق السيف العذل"، ودا له قصة بطلها ضبة بن أد بن طابخةكان مرة ماشي في سوق عكاظ، في أحد الأشهر الحرم، وشاف واحد لابس عباية يعرفها كويس، العباية دي بتاعة سعيد بن ضبة، وسعيد طلع فـ يوم ورا الإبل وما رجعش، وبقى مفقود مش معروف مصيره.
لما ضبة شاف الراجل لابس العباية بتاعة ابنه الغايب، سأله بـ صنعة لطافة: هو جاب العباية دي منين؟فـ الراجل حب يتفشخر، قال له إنها كانت مع شابوهو دخل عركة مع الشاب دا وقتله، وخد العباية اللي كانت معاه.
ضبة كان بـ يسمع القصةمن غير ما يبين حاجة لـ الراجل، عشان يعرف الناهية، وأول ما عرف إنه الراجل دا قتل ابنه، ما ادالوش فرصة، وراح ساحب السيف خلص عليه.
الناس اتلمت، وقعدوا بقى يسألوا إيه اللي حصل، وضبة حكى لهم، فـ قعدوا يقطموه إنه كدا مش تمام، إحنا في الأشهر الحرم فـ ما ينفعش، ناهيك عن إنك ما تأكدتش من القصة، ويجوز الشاب اللي قتله الراجل (إن كانت قصته صحيحة)ما يكونش سعيد ابنه، فـ راح ضبة مزعق فيهم:
هشششششش، خلاص، سبق السيف العذل، خلصنا، يعني السيف سبق التقطيم وحسم الموضوع، فـ مفيش داعي لـ كل هذا الهرتك.
الواقع، إنه الإنسان عادة ما يضيق بـ التقطيم، الودان لا ترحب بـ كلام العواذل، لا ترغب فيه، وإن اضطرت لـ استقبالهفـ هي لا تستقبله على نحو حسن، ولا تدعه يستقر في الوجدان، إنما تحرص على إنه إذا دخل من ودن، يخرج من التانية فورا، حتى لو كان صحيح، حتى لو كان وجيه.
ويمكن كمان نقول: خصوصا لو كان وجيه ومظبوط، دا كل ما يكون وجيه أكتريبقى مش مرحب بيه أكتر.
فـ لو تخيلت نفسك كلام العواذل، وتخيلت إنه البلاد كلها ودان المعذول (الملوم)يبقى حالك عامل إزاي؟مفيش مكان بـ يرحب بيك، مفيش مكان يدعوك لـ الاستقرار فيه، مفيش مكان تحس إنه مرتاح في وجودك، كل
شيء في المكان بـ يقول لك: امشي، مش عايزك هنا، وكل ما تروح مكان نفس النظام، تخيل حجم الاغتراب اللي ممكن تكون عايشه!
لو عجبك التخيل دا، فـ هو مش تخيلي، إنما تخيل المتنبي لما قال:
"يخيل لي أن البلاد مسامعي
وأني فيها ما تقول العواذلُ"
يا ابن الذين، جبتها إزاي دي!