التنابلة
السلاطين العثمانيين كانوا بـ يجمعوا بين كل المتناقضات تقريبا، يعني سفاحين ورومانتيكيين، إعدام البشر كان عقوبة منتشرة وسهلة عندهم، حتى أقرب الأقربين، إنما كانوا مشهورين بـ الرفق ع الحيوان، والاهتمام بـ البيئة، علشان كدا ما تستغربش لما تعرف إن الناس اللي قهروا العالم كله كانوا شديدي التعلق بـ التصوف.
التصوف في الدولة العثمانية ما كانش التصوف الأول بتاع الحلاج والسهروردي وكدا، ولا كان شبه التصوف المهتم بـ الشريعة زي تصوف الغزالي وكدا، إنما كان نوع من التصوف الرومانسي، إن جاز التعبير، كفاية أقول لك إن جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي عاشوا في تركيا.
اهتمام سلاطين آل عثمان بـ التصوف اقترن بـ حاجة تانية هي التكايا، التكايا جمع تكية، والتكية مكان بـ يبنوه لـ الناس الزاهدين في الحياة والعجزة وقللات الحيلة، ييجوا يقعدوا فيها ياكلوا ويشربوا ويذكروا الله ويعملوا إنشاد صوفي، ومن التكايا دي طلعت فنون الإنشاد والمولوية وخلافه.
من التكايا دي طلع اللحن الخالد بتاع "الحمد لرب مقتدر" اللي بعدين خد مطلعه محمد عبدالوهاب وعمله "مضناك جفاه مرقده"، ثم اتعملت له أكتر من معالجة، يمكن أشهرها كروان الفن وبلبله بتاعة فيروز الصغيرة وأنور وجدي وكنت اتكلمت عنها في كتاب الأغاني.
إنما فيه سؤال:
منين بـ ييجي الأكل والشرب اللي الناس دول بـ ياكلوه في التكايا؟ وهل فيه شروط معينة تسمح لـ الإنسان إنه يقيم في التكية دي إقامة مجانية؟
الواقع إن السلطان كان بـ يصرف فلوس لـ التكايا دي، علشان تصرف على ساكنيها، وبـ يشجع أهل الخير على إنهم يصرفوا عليها من باب إنها مباركة. مش بس كدا، دا السلاطين كانوا بـ يعملوا التكايا دي في كل البلاد اللي بـ يحتلوها، وفـ مصر هنا أول تكية عملوها هي تكية المعز، واللي منها طلعت المولوية الأصلية، لـ ذلك معروفة بـ اسم تكية المولوية.
مين بقى اللي كانوا بـ يقيموا في التكايا دي؟
ما كانش فيه شروط محددة تسمح لـ أي حد ييجي، هي بس الفكرة إن "الإقامة" ما كانتش يعني خمس نجوم، هي على قد الأكلة والنومة، فـ مين اللي هـ ييجي يقعد هنا إلا إذا كان ما عندوش حياة أكتر من الأكلة والنومة؟ فـ اللي كان بـ ييجي يعيش هنا هم الناس الكسالى عديمي الهمة عديمة الأسرة.
فيه كلمة تركية لـ الكسل، هي التنبلة، منها اشتقينا كلمة تنبل، وجمعها تنابلة، فـ طلع المثل "زي تنابلة السلطان: أكل ومرعى وقلة صنعة".
طلعت حكايات كتير عن التنابلة دول وكسلهم، أظرف حكاية جات من بغداد عن تكية السلطان هناك:
قال لك الوالي حس إن التكية فيها ناس أكتر من اللازم، وبـ تصرف فلوس كتير، راح التكية يشوف إيه الحكاية، لقى شباب ورجالة في أتم صحة، بس قاعدين في التكية، ومش شكلهم فيه تصوف ولا يحزنون، فـ قرر إنه يرميهم في نهر دجلة.
ركبوهم عربية، وفـ الطريق شافهم واحد، فـ قال لـ العربجي، مين دول؟ فـ حكى له.
قال له: حرام تموتوهم، أنا عندي مزرعة فيها سواقي، بـ أربي فيها بهايم، والبهايم بـ أجيب لهم عيش ناشف، وكتير بـ يبقى فيه بواقي لحم من اللي بـ يتباع، ممكن يقعدوا في البستان، يبلوا العيش في السواقي ويحطوا عليه اللحم وياكلوا ومش عايزهم يشتغلوا ولا أي حاجة.
العربجي قال له تمام
فـ واحد من التنابلة، قال له: استنى؟
مين بقى اللي هـ يبل العيش فـ السواقي ويسوي اللحم ويحطوا عليه؟
الراجل قال له: إنتو.
فـ التنبل قال: سوق يا عربجي على دجلة، عيش إيه دا اللي هـ نبله؟ ولحم إيه دا اللي هـ نسويه؟