من زرع حصد
هناك أخبار جيدة من شرم الشيخ، الأخبار الجيدة لا تعنى أن كل المشاكل ستحل فورًا، لكنها تبقى أخبارًا جيدة، أو جيدة جدًا إذا شئنا الدقة، آخر الأخبار تقول إن مصر وقعت اتفاقيات إطارية لمشاريع قيمتها ١١٩ مليار دولار، هذه المشاريع كلها لإنتاج الطاقة النظيفة والهيدروجين الأخضر، التوقيع لا يعنى أن هذه المليارات دخلت مصر فعلًا لكن يعنى أنها فى الطريق، الشركات العالمية، والصناديق السيادية العربية، والمنظمات الإنمائية، كل منها سيدبر تمويلًا للمشروع الذى وقع اتفاقية إنشائه مع مصر، بحسب مراحل التأسيس المختلفة، هذا الخبر يرتبط بخبر آخر جيد أيضًا، وهو أن مصر وقعت اتفاقية تصدير كهرباء لأوروبا عبر اليونان من خلال خط كهربائى سيضمن تدفق الطاقة النظيفة التى يتم إنتاجها فى مصر وشمال إفريقيا لأوروبا عبر اليونان، هذه المشاريع لا تعنى فوائد اقتصادية لمصر فقط ولكن تعنى تزايد أهميتها وأهمية استقرارها للنظام العالمى كله، من جهة أخرى وبينما تقرأ هذه السطور فإن المفاوضات ما زالت مستمرة فى مؤتمر المناخ حول التوصيات الأخيرة، ومن يدفع ماذا ولمن؟ الموعد المعلن لنهاية المؤتمر هو اليوم ١٨ نوفمبر، لكن هناك توقعات بأن يستمر الشق التفاوضى أو يتم تأجيل الختام لحين الوصول لقرارات واضحة حول التعهدات المالية، مصر بصفتها رئيس المؤتمر تحاول الوصول لحل وسط بين مطالب الدول النامية بتعويضها عن الخسائر التى تعرضت لها من أفعال الكبار، وبين رفض كثير من الدول الغنية مبدأ تعويض الخسائر، ما تقر به الدول الكبرى ولا تنفذه بعضها هو تمويل جهود «التكيف» وهو يعنى تحول البلدان النامية من وسائل الطاقة القديمة لوسائل صديقة للبيئة، هذا هو التكيف، أما تعويض الخسائر فهو أن يدفع الأغنياء فى العالم تعويضات للدول التى أصيبت بالفيضانات، أو تلفت محاصيلها، أو ارتفع منسوب المياه فى بحارها، هذا هو الجزء محل الخلاف، هناك اقتراح بتأسيس صندوق للخسائر والأضرار تموله الدول الغنية، ولكن الاقتراح ليس محل إجماع، والأخبار تقول إن النمسا، والدنمارك وإسكتلندا وبلجيكا هى فقط التى أقرت بحق التعويض عن الأضرار، وبلغ إجمالى ما رصدته ٧٦ مليون دولار تقريبًا، وهو مبلغ قليل جدًا كما يبدو، والسبب أن الدول المستعدة للمساهمة فى الصندوق خمس دول فقط كما نرى، مصر صرحت على لسان وزير خارجيتها ورئيس المؤتمر بأن المسار التفاوضى بطىء ولكنه إيجابى، وهناك أمل فى الوصول لصيغة نهائية ترضى جميع الأطراف، من الأخبار اللافتة فى المؤتمر أن الصين وأمريكا عقدتا مفاوضات مغلقة من خلال ممثليهما فى مؤتمر شرم الشيخ، وأن المفاوضات كانت حول التغيرات المناخية، وهو خبر يحمل نفس دلالة خبر مفاوضات روسيا وأمريكا حول الأسلحة النووية فى القاهرة، والمعنى أن مصر تلعب أدوارًا فى الوساطة وتهدئة الوضع العالمى وأنها محل ثقة جميع الأطراف، ممثل الرئاسة المصرية فى مؤتمر المناخ كشف عن جزء مما يدور فى المفاوضات قائلًا إن هناك التزامات قوية جدًا من الدول الكبرى وهناك تأكيد على التزامات سابقة أعلنت عنها هذه الدول فى مؤتمر «جلاسكو» والمقصود هنا مبلغ المئة مليار دولار التى تعهدت الدول الكبرى بدفعها سنويًا لتمويل إجراءات التكيف وإنتاج الطاقة النظيفة، وإن كانت هناك خلافات على توصيف هذا التمويل، وهل تدخل فيه تمويلات الدول الكبرى لكيانات مثل البنك والصندوق الدوليين أم أن هذا التمويل مستقل ويجب دفعه للدول النامية مباشرة.
إذا عدنا لمصر سنجد أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس وقعت اتفاقيات إنشاء ١٥ مشروعًا لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراوين مع شركات عالمية وصناديق استثمار عربية، وبحسب تصريح رئيس المنطقة الاقتصادية للقناة فإن مصر تتوقع استثمارات بإجمالى ٦٠ مليار دولار خلال الخمسة عشر عامًا القادمة، وربما ساعدتنا الظروف وتحقق هذا الهدف خلال عدد سنوات أقل، هذه الاستثمارات ستكون نقطة انطلاق جديدة لمصر التى تأخرت الاستثمارات الأجنبية فى القدوم إليها بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بفعل فاعل، أو كنوع من الضغط والعقاب لشعبها، لكن القيادة الواعية وذات الطابع العملى والمتفاعل مع المتغيرات العالمية ببراعة استطاعت تغيير الوضع كليًا على مستوى الاقتصاد وعلى مستوى السياسة أيضًا، حيث هما مترابطان كليًا، ويؤثر كل منهما على الآخر، فى كل الأحوال وبنهاية مؤتمر المناخ اليوم تبدأ مصر عهدًا جديدًا ومرحلة جديدة نأمل فيها أن نحصد ثمار ما زرعنا خلال ثمانى سنوات من العمل والدأب والتخطيط، حيث الحصاد نتيجة منطقية للزرع، ومن زرع حصد كما تعلمنا ونحن أطفال.. سنة الله فى خلقه ولن تجد لسنته تبديلًا.