رئيس «سيماداك» للأسمدة: غياب المرشد الزراعى وراء تراجع إنتاج المحاصيل الاستراتيجية (حوار)
- مصر أمامها فرصة عظيمة للعودة إلى إنتاج القطن طويل التيلة وتصديره للعالم
- التوسع فى محطات التحلية ومعالجة مياه الصرف الصحى أبرز الحلول لمواجهة نقص المياه
- تسعير المحصول بشكل عادل يحفز الفلاح على الإنتاج.. والتاجر المستفيد الوحيد من زيادة الأسعار
- الحرب الروسية الأوكرانية لم تؤثر على قطاع الأسمدة.. ورفعت صادراته لـ%50
قال الدكتور علاء الجالى، رئيس شركة «سيماداك» للأسمدة والكيماويات، إن القطاع الزراعى يواجه مجموعة من التحديات الكبيرة، أبرزها غياب دور المرشد الزراعى، الذى أثر بشكل ملحوظ على الخريطة الزراعية فى مصر، وأدى إلى تراجع محاصيل استراتيجية مهمة، على رأسها الذرة والقمح والأرز والقطن والبرسيم.
وكشف «الجالى»، فى حواره التالى مع «الدستور»، عن أن الحرب الروسية الأوكرانية كان لها تأثير إيجابى على قطاع الأسمدة، مشيرًا إلى مساهمتها فى زيادة صادرات مصر بنسبة ٥٠٪ مقارنة بالفترة التى سبقت هذه الحرب، لكن فى المقابل، أدى ذلك إلى أزمة فى توفير الأسمدة داخل السوق المحلية، وتسبب فى خلق «سوق سوداء».
كما تحدث عن أزمة المياه التى تواجهها مصر، وتأثيرها على المحاصيل الزراعية، مشددًا على ضرورة التوسع فى إنشاء محطات تحلية مياه البحر، وإعادة معالجة مياه الصرف الصحى، مثلما يفعل كل دول الخليج لمواجهة نقص المياه.
■ بداية.. ما أبرز التحديات التى يواجهها قطاع الزراعة بشكل عام خلال الفترة الحالية؟
- هناك شركات تخدّم على القطاع، مثل شركات الأسمدة والمبيدات والتقاوى والبذور، هذه الشركات أمامها العديد من التحديات.
وبالنسبة للمزارع المصرى، فهو يواجه مشكلة وحيدة وكبيرة، تتمثل فى عدم وجود إرشاد زراعى واضح، فقديمًا كانت توجد جمعيات خاصة بالإرشاد الزراعى، تقدم إرشادات مهمة بشأن المحاصيل الموسمية أو الأساسية، مثل القمح والأرز والذرة والبرسيم والقطن.
أما الآن فانتشر كثير ممن يطلق عليهم «مهندسون استشاريون»، لكن ليست لديهم خبرة كافية بالإرشادات الزراعية، ولا متابعة مع الفلاح فى مواسم الزراعة، ما سبب أزمة فى هذه المحاصيل الاستراتيجية، التى سبقت أن ذكرتها قبل قليل.
■ ألا تؤدى الجمعيات الزراعية المنتشرة فى مختلف المحافظات هذا الدور؟
- الجمعيات الزراعية حاليًا لا تتعامل مع شركات الأسمدة والمبيدات، ويضطر الفلاح إلى شراء منتجات غير آمنة أو غير مسجلة، ما يسبب له خسائر مادية جسيمة، فضلًا عن خسارة محصوله، وكل ذلك يحدث بسبب غياب الإرشادات، وعدم الاعتماد على الأنواع الجديدة من الأسمدة والمبيدات.
■ هل هناك أزمات أخرى تواجه الفلاح نفسه؟
- تسعير السلعة من الأرض، سواء خضار أو فاكهة يعتبر أكبر تحدٍ يواجه الفلاح، الفلاح يبيع بخسارة حاليًا؛ لأن سعر التكلفة والإنتاج أكبر بكثير من سعر البيع، وهناك محاصيل تفرض الدولة على الفلاح أن يبيعها لها، مثل الأرز والقمح.
ويجب أن تأخذ الدولة المحاصيل بسعر عادل حتى لا يتعرض الفلاحون للخسائر، إضافة إلى أن الجمعيات تأخذ الأرز ولا تعطى الفلاح الأموال إلا بعد شهرين، لذا لا بد أن يحصل الفلاح على أمواله بمجرد تسليم كميات الأرز، ما يشجعه مستقبلًا على تسليم محصوله للدولة.
■ لماذا تصل المنتجات إلى المستهلك بأسعار مرتفعة فى رأيك؟
- كل أسعار الخضروات والفاكهة والمحاصيل الأساسية «غير منطقية وغير عادلة»، فهى تؤخذ من الفلاح بأسعار زهيدة وتُباع للمستهلك بأسعار مرتفعة جدًا.
مثال على ذلك محصول الموز فى المزرعة يسجل ٥ جنيهات للكيلو، ويصل إلى المستهلك بـ٢٥ جنيهًا للكيلو، وبالتالى هناك فجوة كبيرة بين السعر النهائى الذى يصل للمستهلك، والأسعار التى تخرج من المزرعة، والمستفيد فى النهاية هو التاجر، وليس الفلاح أو المستهلك.
■ لماذا تستورد مصر القطن من الخارج رغم جودة المنتج المحلى؟
- القطن من المحاصيل المهمة والأساسية، وعُرفت مصر فى الخارج بالقطن طويل التيلة، الذى كان يميزها عن غيرها من الدول، لكن زراعة القطن الآن أصبحت غير مجدية بالنسبة للفلاح، خاصة فى ظل تراجع أسعاره كل عام عن العام الذى قبله، بسبب ارتفاع أسعار مدخلات زراعة المحصول من عمالة وأسمدة ومبيدات، وتدنى أسعار بيعه فى نهاية الأمر.
لذا أصبح من الصعب تشجيع الفلاح على زراعة القطن، وأرى أنه يجب تسعير القطن بسعر عادل ومناسب، خاصة أن القطن المصرى يتم تصديره إلى الخارج بأسعار مرتفعة بسبب جودته، كما أن مصر تُدخل كميات كبيرة من القطن فى صناعة الغزل والنسيج.
وكانت مصر تنتج كميات كبيرة من القطن طويل التيلة، والآن نستورد القطن قصير التيلة من السودان وسوريا، فلماذا لا نتوسع فى زراعة القطن، ونسعى لإعادة زراعة القطن طويل التيلة مرة أخرى؟!
■ كم يبلغ إنتاج مصر من القطن مقارنة بالأعوام الماضية؟
- تراجعت المساحة المزروعة بالقطن حاليًا بنسبة ٨٠٪، وتواجهنا مشاكل عديدة فى توفير بذور القطن طويل التيلة، وأصبح هناك تهجين للبذور.
يمكن زراعة مساحات كبيرة من القطن، لكننا لن نستطيع غزله، لأن مصر لا تملك الماكينات المؤهلة لذلك، وبالتالى نستسهل الأمر، ونستورد الملابس من الخارج.
ويمكن النهوض بتلك الصناعة إذا توافرت تلك الماكينات، وحينها سيكون لدينا القطن الجيد، وفى الوقت نفسه الماكينات التى تستطيع أداء هذا الدور، لتعود مصر إلى مكانتها فيما يتعلق بالقطن والصناعات المتعلقة به مرة أخرى.
■ ما أبرز الشركات التى تخدم القطاع الزراعى؟
- تنقسم الشركات التى تخدم القطاع الزراعى إلى قسمين، شركات تجار، وشركات مصنعة، وشركات التجار هذه قائمة على شقين، إما منتج مصنع محلى أو مستورد، لكن الآن أصبحت هناك مشكلة كبرى فى المستورد، بعد زيادة سعر الدولار، وأزمة النقل البرى وعدم توفير طرق للنقل البرى من خلالها، وبالتالى أصبحت التكلفة مرتفعة للغاية.
وفى حالة توفير العملة والأسمدة والمبيدات من الخارج، يصعب بيعها فى السوق المحلية بأسعار مرتفعة، لذلك يجب الاهتمام بالمنتج المحلى وتطويره لسد الفجوة الاستيرادية.
■ كيف يتم الاهتمام بالمنتج المحلى إذن؟
- لكى نهتم بالصناعة المحلية يجب توفير السبل التى تساعد فى زيادة الإنتاجية، ويتحقق ذلك من خلال تيسير كل الإجراءات والتسهيلات والخدمات، مثل الكهرباء والطرق والمياه والعمالة المدربة.
نحتاج كذلك إلى توفير الأراضى بأسعار عادلة ومناسبة للمصانع الوطنية، حتى نستطيع التوسع فى الصناعة المحلية، إلى جانب ضرورة تسريع استخراج الأوراق المطلوبة، لأن استخراج التراخيص الخاصة بالمناطق الصناعية «صعب جدًا»، وأتمنى تسهيل تلك الإجراءات فى الفترة المقبلة.
فى الدول الأخرى يتم منح الأراضى إلى المصنع بحق الانتفاع، فى الوقت الذى يبلغ فيه سعر المتر فى المناطق الصناعية بوادى النطرون فى محافظة البحيرة ١٧٠٠ جنيه، بالإضافة إلى مصروفات تخليص الأوراق، وبالتالى قد يصل سعر المتر إلى ٢٠٠٠ جنيه، وهذا مبلغ مبالغ فيه بالنسبة لمصنع فى بدايته.
■ هل هناك مطالب محددة للمصنعين من وزارة الزراعة؟
- المصنع يريد أسعار منتجات مقبولة، ويريد أن تكون مدخلات الإنتاج بسعر قليل، وضمان الالتزام بالواردات من خلال التعاقدات، ودور وزارة الزراعة هو توفير البيئة المناسبة من خلال المعمل المركزى لتحليل المتبقيات، ومنح المورد منتجًا قابلًا للتصدير.
كما يجب إعطاء المشورة الزراعية من خلال الإرشاد الزراعى، ويجب أن تكون الوزارة على دراية بالتغيرات الجوية، وتوجه المزارع للمحصول المناسب حسب الأجواء، وهذا كله يخدم المصنعين بطرق غير مباشرة.
كما أن تسجيل المركبات فى وزارة الزراعة يأخذ وقتًا مبالغًا فيه، وتتراوح المدة بالنسبة للسماد بين ٣ و٦ أشهر، وقد تستمر حتى سنة قبل الحصول على الموافقة.
أما عن المبيد فإن المدة قد تصل إلى ٣ سنوات، وفى بعض الأحوال يلغى الاتحاد الأوروبى المادة الفعالة للمبيد، ويخسر المصنع ما يقرب من ٤٠٠ ألف جنيه، وعلى العكس تمامًا فإن تسجيل المبيد أو المخصب خارج مصر لا يستغرق أكثر من شهر فى أصعب الأحوال.
■ هل يمكن زراعة أصناف جديدة من الذرة والمحاصيل غير المسموح بزراعتها فى مصر؟
- نعم، هناك مقترحات كثيرة بتغيير القانون لعدد من الأصناف الممنوع زراعتها فى مصر، والقانون الجديد سيسمح بزراعة تلك الأصناف الجديدة.
وسبق أن صدر قرار جمهورى عن الرئيس عبدالفتاح السيسى بالاستفادة من الهندسة الزراعية فى إنتاج سلالات جديدة من المحاصيل الزراعية، ليس فى الذرة فقط، وإنما فى كل المحاصيل، لكن هذا الأمر يحتاج إلى وقت، ولا يحدث فى يوم وليلة.
كما أن هناك اقتراحًا بإجراء اختبارات على المحاصيل المقرر زراعتها قبل طرحها فى الأسواق، على سبيل المثال زراعة الذرة التى تكون بها نسبة بروتين عالية، ينبغى أن نراقب تأثيرها على المواشى، بعد تقديم الأعلاف المنتجة من هذه الذرة إليها، وما ينتج عنها من تأثير على زيادة كميات الألبان واللحوم، ونفس الأمر يطبق على الدواجن.
■ ما رأيك فى «الصوب الزراعية»؟
- هو مشروع مكلف، ولدينا أزمة فى الكوادر الزراعية المؤهلة لتنفيذه، وهذا المشروع ينافس الفلاح فى زراعة الخضروات والفواكه، والمشروع فى الأساس يستهدف سد الفجوة الغذائية، ولكن يجب دراسة ما تتم زراعته قبل الزراعة، حتى لا يتم إهدار التقاوى.
والحبوب هى الأمن الغذائى لأى دولة، لذا يجب زراعة المحاصيل الاستراتيجية التى يتم استيراد كميات كبيرة منها، ومصر دولة زراعية فى المقام الأول، ويجب تقديم الإرشادات- كما ذكرنا- للفلاح، وأخذ المحصول منه بسعر يرضيه.
■ ما تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على صناعة الأسمدة؟
- لم تؤثر الحرب الروسة الأوكرانية على صناعة الأسمدة فى مصر، ومصر تنتج كميات كبيرة من اليوريا والأزوت والأحماض، كما أنها تعتبر أكبر دولة تنتج فوسفات فى العالم، وتصدر كميات كبيرة إلى روسيا والأردن.
كما أن مصر كان لديها مصنع من أهم المصانع فى العالم، هو مصنع «طلخا» الذى تم إغلاقه، وكان ينتج حمض النيتريك والفوسفوريك، ويجب إعادة تشغيله مرة أخرى.
والأزمة الروسية الأوكرانية كان لها تأثير إيجابى على مصر فيما يخص تصدير الأزوت والأسمدة، لأن روسيا تعتبر من أكبر الدول التى تنتج الأزوت «السماد»، ونتيجة الحرب زادت الصادرات المصرية، وكان ذلك على حساب السوق المحلية.
■ هل تعتقد أن هذا القرار صائب؟
- لا، أعتقد أن القرار بمثابة مخاطرة كبيرة، فيجب تلبية احتياجات السوق المحلية أولًا قبل التفكير فى التصدير، وكان يمكن زيادة الإنتاج من خلال فتح خطوط إنتاج جديدة فى مصانع الأسمدة.
كانت مصر تصدر ما يقرب ٢٠٪ من الأسمدة، ولكن بعد الأزمة الروسية الأوكرانية أصبحت تصدر ٥٠٪ من إنتاجها، والنتيجة أن الأسعار المحلية ارتفعت، ما تسبب فى ظهور «السوق السوداء» و«مصانع بير السلم»، التى تضر بالمحاصيل والتربة، لذا يجب الرقابة الشديدة على المنتجات التى يتم طرحها.
■ وكيف أثرت هذه الحرب على القطاع الزراعى بصفة عامة؟
- تعتبر صناعة الأسمدة من أكثر القطاعات التى استفادت من الحرب الروسية الأوكرانية، كما قلت سابقًا، لأن مصر كانت تستورد كميات كبيرة من الأسمدة النيتروجينية، مثل سلفات النشادر الروسية والأوكرانية، وكانت جودتها رديئة جدًا، لذا استفادت مصانع الأسمدة المصرية، وصدرنا كميات كبيرة جدًا خلال فترة الحرب لكل دول العالم.
وبالنسبة لتصدير الخضروات والفاكهة، كانت الاستفادة فى الخضروات والفاكهة قليلة، لأننا نعتمد بشكل كبير على روسيا وأوكرانيا، خاصة فى تصدير الموالح، لذا حدث تراجع بسيط، لكن الأسواق بدأت فى الانتعاش مرة أخرى.
■ ما مستجدات أزمة البذور؟
نحن نستورد ١٠٠٪ من بذور الخضروات، مثل: الخيار والطماطم والفلفل والجزر، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسى أطلق المشروع القومى لإنتاج الخضر فى عام ٢٠١٨ لإنتاج بذور الطماطم والخيار والفلفل، فى ظل أن تلك الأصناف من البذور لا توجد فى مصر ونستوردها من الخارج.
وهذا المشروع تم بالتعاون مع معهد بحوث محاصيل الخضر، وحتى تكون لدينا تلك الأصناف أمامنا ١٠ سنوات على الأقل، ونحتاج إلى تمويل كبير، إضافة إلى وجود تعليم زراعى قوى ومتخصصين فى الهندسة الوراثية.
■ كيف ننهض بالقطاع الزراعى فى رأيك؟
- يجب الاهتمام بالتعليم الزراعى الفنى والجامعى، ويجب إشراك القطاع الخاص فى التعليم من خلال تدريب الطلاب، لأن هذا المجال يعد من المجالات العلمية وليست النظرية، وإذا اتبعنا هذا الأمر فستكون لدينا عمالة مدربة وأجيال من العمالة الفنية والمهندسين المؤهلين القادرين على إحداث الفارق.
■ أخيرًا.. ماذا عن أزمة المياه فى مصر الآن؟
- حصة مصر من المياه تقدر بـ٥٥٫٥ مليار متر مكعب، والأزمة الحالية أن هذه النسبة تقل مع الوقت، ومصر تعانى من عجز مائى، لذا يجب حل تلك الأزمة بسرعة، خاصة مع الزيادة السكانية المستمرة، والتوسع فى المدن الجديدة.
وأرى أنه يجب الاعتماد على المياه الجوفية، ومعالجة مياه الصرف الصحى، بالإضافة إلى إنشاء محطات لتحلية مياة البحر، وهناك دول كثيرة تعيش على تحلية مياه البحر، مثل السعودية وغيرها من دول الخليج، ومصر تمتلك محطات تحلية بالفعل.