فتح انطلاقة
فى مسلسله الشهير «أرابيسك» كان أسامة أنور عكاشة يضع على لسان بطله عبارة «فتح انطلاقة» كثيرًا، كان صانع الأرابيسك الأصيل يستخدم العبارة للتدليل على بداية مرحلة جديدة، أو الحماس لمشروع يأمل منه خيرًا، بغض النظر عن أحداث المسلسل فالأمل كبير أن يكون مؤتمر المناخ فى شرم الشيخ بداية «فتح انطلاقة» لمصر، أو بداية انطلاقة جديدة تستحقها مصر، هناك مكاسب حققتها مصر بالفعل، وهناك مكاسب ستحققها بإذن الله، من المكاسب الأكيدة السمعة العالمية فى التنظيم التى تأكدت لدى الجميع، وهناك المكاسب المباشرة للسياحة من استضافة ٦٦ ألفًا فى عشرة أيام فقط كلهم جاءوا على نفقة منظماتهم وشركاتهم أو نفقتهم الشخصية، من المكاسب السياسية الأكيدة حضور مئة وعشرين حاكم ورئيس دولة أو ممثلين لهم فى مظاهرة تأكيد على مكانة مصر فى السياسة الدولية، من المكاسب أيضًا اللقاءات الجانبية التى عقدها رئيس مصر مع رؤساء الدول الكبرى فى العالم والتى طرحت فيها مشاريع للتعاون الاقتصادى والسياسى من شأنها ترسيخ دور مصر واستقرارها وأمنها بكل تأكيد.
على المستوى الاقتصادى، هناك مكاسب أكيدة حققتها مصر من إطلاق المنصة الدولية «نوفى» لتمويل مشروعات التحول نحو ما أسميه التنمية الخضراء، مبادرة مصرية شجاعة ألهمت العديد من الدول لأن تكون لديها منصات تمويل مستقلة بعيدًا عن وعود الدول الكبرى التى لا تتحقق، المشاريع التى طرحتها نوفى اجتذبت ١٥ مليار دولار تمويلات أجنبية ميسرة فى أيام قليلة وما زال أمامها الكثير، هذه التمويلات غالية لأننا فى أيام أزمة اقتصادية عالمية وارتباك اقتصادى عام، ومع ذلك فقد طرحنا مشاريع اجتذبت تمويلات تضخ فى شرايين الاقتصاد المصرى، الرئيس السيسى الذى يؤمن بأن الأفكار غير التقليدية هى طوق النجاة لمصر طرح فكرة رائدة بتحويل محور قناة السويس لمنطقة متخصصة فى إنتاج الهيدروجين الأخضر، هذا النوع من الطاقة النظيفة يحتاج مصدرًا دائمًا للمياه لإنتاجه وهذه متوافرة بكثرة فى محور قناة السويس، والطاقة المنتجة ستكون مصدرًا للعملة الصعبة لمصر لأننا سنصدرها لمن يحتاجها، ستكون على مقربة من العالم كله، حيث تقع قناة السويس على ناصية العالم كما يقول التعبير الشهير وحيث هى قريبة من الشرق والغرب، وهكذا فإن هذه الفكرة المبدعة جذبت ثمانين مليار دولار استثمارات أجنبية تريد أن تنتج الهيدروجين الأخضر على أرض مصر وتصدره للعالم كله، ماذا سنستفيد نحن؟ توطين صناعة عالمية متقدمة على أرض مصرية وضرائب على نشاط عملاق وعمالة فنية متقدمة يتم تدريبها وتشغيلها، وجمارك على الواردات واستفادة من الصادرات، والأهم أننا حققنا هدفنا فى تسويق محور قناة السويس الاقتصادى الذى كان الإرهاب يستهدفه لتعطيله طوال الوقت، هذه الاستثمارات هى مكسب أكيد ويجب أن نستعد لها بمدارس فنية وكليات هندسة تدرس هذه التكنولوجيا المتقدمة للغاية نستعين فيها بالخبرات الأجنبية بحيث يتم تدريب العمالة أثناء شهور التجهيز والبناء للمصانع، من الأخبار السعيدة لنا أن شركة عالمية كبرى بالاشتراك مع حسن علام المصرية توصلت لحل يمكن بمقتضاه تشغيل محطات الكهرباء التقليدية بالهيدروجين مع الغاز الطبيعى، وهو ما يقلل نسبة الكربون لحد غير ضار، وهو ما يعنى أننا نستطيع الاستفادة بمحطات الكهرباء التقليدية لسنوات عديدة قادمة، من الأخبار الإيجابية أيضًا أن وكالة «فيتش سوليونشز» الاقتصادية تنبأت بزيادة الصادرات البترولية المكررة لمصر خلال العشر سنوات القادمة، والصادرات المكررة هى التى تم تصنيعها وإضافة قيمة لها وهى أعلى سعرًا من المنتجات الخام بكثير، هذا التوقع مبنى على ازدياد الحاجة للطاقة التى تنتجها مصر من جهة، وتوسع مصر فى معامل التكرير ومحطات الإسالة وكل ما يتعلق بتصدير الطاقة من جهة أخرى، هذا التوقع هو نتيجة عمل ورؤية تم تنفيذها خلال السنوات الثمانى الماضية بإيقاع يسابق الزمن، ما يدعو للتفاؤل أننا نتقدم فى عالم يتراجع، وأننا مطمئنون فى عالم يشعر بالقلق، وهذا هو وصف تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة للعالم، ما يهمنا أننا نتقدم فى التنمية البشرية، فمنذ عامين كنا نحتل المرتبة ١١٦ من أصل ١٩٠ دولة، واليوم نحن نحتل المرتبة ٩٧ من أصل ١٩٠ دولة، هذا الترتيب ربما يكون غير مُرضٍ لنا جميعًا، وكل ما علينا أن نعمل حتى نقفز عشرين أو ثلاثين خطوة فى التقرير القادم فنصبح فى المرتبة ٦٦ مثلًا، ونواصل العمل لنتقدم أكثر فى التقرير الذى يليه وهكذا.. لأن الاستياء وحده لن يحل لنا مشاكلنا لا فى التنمية البشرية ولا فى غيرها.. ليس أمامنا سوى أن نتفاءل ونعمل، والباقى على الله وكفى به نصيرًا.