الوصفة المصرية
على صفحته فى «فيسبوك» قال الكاتب أيمن السميرى إنه يعتقد أن الرئيس السيسى «مخاوى» أو بالتعبير الأمريكى «Gifted». وإلا لما استطاع أن يضفى كل هذه الحميمية على مسئولين غربيين، كانت علاقتهم بمصر شبه سلبية، قبل أن يقتربوا، ويروا التفاصيل من قريب، التعبير «Gifted» يعنى فى الثقافة الأمريكية ممنوحًا، أو موهوبًا، أو ذا قدرة غير عادية، وأنا أظن أن الرئيس موهوب فى أمور القيادة والحكم بكل تأكيد، لكننى أرى أيضًا أن الإنجاز المصرى فى السياسة هو نتاج عمل دءوب وشاق ومنظم، أكثر مما هو نتاج أى شىء آخر، هذا العمل الشاق والمستمر هو الذى حوّل مصر من دولة يسعى أعداؤها لعزلها دوليًا فى ٢٠١٣ لدولة يجتمع العالم كله فى ضيافتها، ويأتى زعماؤه إليها ليعبروا عن سعادتهم وتقديرهم لمكانتها ولدورها، وعن دعمهم لاستمرارها بكل الطرق، هذا العمل الدءوب يقوم على عدة مرتكزات أهمها الوعى بدور مصر فى إقليمها ومحيطها وتعزيزه بالعمل وليس بالكلام، فالدور المصرى فى غزة مثلًا الذى أشاد به الرئيس الأمريكى جو بايدن، هو نتاج عمل رجال ومؤسسات على الأرض، وخبرة مصرية بأحوال القطاع تمتد من الخمسينيات حتى الآن، ومدرسة وطنية فى التعامل مع أهل غزة تنتقل الخبرات فيها من جيل إلى جيل، وأدوات سياسية واقتصادية وأمنية وعسكرية واستراتيجية متراكمة.. هذا فقط مجرد مثال، فى الوصفة المصرية أيضًا للنجاح ونيل احترام العالم ستجد العمل الاحترافى على ملفات محددة، من ذلك مثلًا استعداد مصر لاستضافة قمة المناخ ٢٧ بمشروعات جاهزة وقابلة للتنفيذ الفورى، فمصر لم تستعد للقمة بالأغانى الحماسية، أو بالمقالات التى تتحدث عن عظمة ما يحدث.. رغم أهمية هذا بالطبع، لكنها أطلقت منصة مصرية لتمويل ما يمكن تسميته بـ«مشروعات التنمية الخضراء» وأطلقت عليها اسم «نوفى» لتذكير الدول الكبرى بأهمية الوفاء بعهودها، ولأن المشروعات جاهزة ومتعوب عليها قبل انعقاد المؤتمر بوقت كاف، فقد وقعت وزيرة التعاون الدولى اتفاقات تمويل بـ١٥ مليار دولار لمشروعات على أراض مصرية، تنفذ بأياد مصرية، وتدخل تمويلاتها شرايين الاقتصاد المصرى، شىء قريب من هذا حدث فى المباحثات مع الطرف الأمريكى، حيث تعهدت الولايات المتحدة بتقديم خمسمائة مليون دولار لمساعدة مصر فى مواجهة تغيرات المناخ، ورغم أن الرقم ليس كبيرًا بالمقارنة باستثمارات مصر فى التنمية والبنية التحتية «٨ تريليونات جنيه» إلا أن له دلالة رمزية إزاء تهليل البعض لتعطيل الكونجرس أحيانًا لعدة ملايين من المعونة الأمريكية لمصر احتجاجًا على توجهات السياسة المصرية، والمعنى أنه إذا كان البعض قد حجب عدة ملايين فها هى الإدارة الأمريكية تأتى لمصر وتعلن عن مساعدة بمئات الملايين، هذا الإعلان يقودنا إلى الملمح الثالث من ملامح الوصفة المصرية للنجاح والتفوق وهى الواقعية السياسية ذات البعد الأخلاقى، حيث يشى تحليل سياسة الرئيس السيسى خلال سنوات حكمه، بالواقعية، وحيازة أوراق التفاوض، وتقديمها فى الوقت المناسب، وتقديم المصلحة الوطنية على ما عداها، مع الحفاظ على ثوابت أخلاقية ووطنية، منها عدم الخضوع للضغوط، أو للابتزاز الإعلامى، مع إنفاذ الإرادة الوطنية دون صدام أو عداء مع القوى الكبرى فى العالم، من ملامح الوصفة المصرية أيضًا ذلك الحياد المرن والإيجابى، والتعامل مع كل أطراف الصراع العالمى دون تبعية، ودون انحياز، والوعى الشديد بما تروجه الدوائر المعادية لمصر فى الإعلام الغربى، والرد عليه عمليًا، لا بالتصريحات ولا المواقف المسرحية.. من ملامح الوصفة المصرية أيضًا الانتباه للتفاصيل الصغيرة، والوعى بدورها فى رسم الصورة الكلية، من هذه التفاصيل مثلًا إقدام الجانب المصرى فى المؤتمر على تأسيس جناح للأطفال للتوعية بأهمية تربية الأطفال على الوعى البيئى، وهى لقطة استلفتت انتباه وسائل الإعلام الألمانية فتحدثت عنها بإيجابية، ومن هذه التفاصيل الهامة أيضًا النشاط المصرى الكبير فى محور إدماج الشباب فى قضايا مقاومة التغيرات المناخية واستغلال الإنجاز المصرى الكبير فى مجال العمل الشبابى منذ ٢٠١٦ حتى الآن، وهو إنجاز فارق ومؤثر وسيساهم فى خلق نخب مصرية مؤهلة ومدربة خلال السنوات القليلة المقبلة، وهذه أيضًا تفصيلة مصرية لم تكن موجودة فى مؤتمرات المناخ السابقة وأضفت مزيدًا من اللمعان والتألق على ما يحدث فى شرم الشيخ، أما فى المتن فإن مصر تقود دول العالم النامى للحصول على أكبر كم من التعويضات عن الأضرار التى تعرضت لها من أنشطة الدول الكبرى، وأظن أن المفاوضين المصريين يبلون بلاء حسنًا سنرى أثره فى التوصيات النهائية، والخلاصة أن مصر بعد «كوب ٢٧» ليست هى مصر قبل «كوب ٢٧» على كل المستويات، وفى كل المجالات، والقادم أفضل بإذن الله.